عرض مشاركة واحدة
  #58  
قديم 29/10/2009, 20h44
الصورة الرمزية قصي الفرضي
قصي الفرضي قصي الفرضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:380271
 
تاريخ التسجيل: janvier 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 648
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاخوة الاعزاء
السلام عليكم


عمو زكي وبرنامجه المتميز جنة الاطفال









لمحة جميلة من حياة الاستاذ الجليل الحاج عمو زكي (رحمه الله) الذي كان مدرسة ومصنعا لرجال المستقبل كان له حضور قوي مؤثر في صياغة تقاليد عمل رصينة مع الاطفال في العراق من خلال اسلوبه في التقديم الشفاف وعذوبة وحلاوة انتقاء مواد برنامجه الجميل (جنة الاطفال) الذي استمر طويلاً في الاذاعة ثم انتقل برياضة فيما بعد تلفزيونياً قدم فيه زاداً ثقافياً تربوياً اجتماعياً تعليمياً للاطفال والشباب هذا البرنامج ارتبط بحياة الناس وهمومهم وعطشهم للمعرفة والثقافة والذين اصبحوا فيما بعد من نجوم المجتمع العراقي البارزين في الفن والسياسة والفكر قوافل طويلة من الاجيال تخرجت من بين يده .

كان من اوائل من اسسوا ونشروا مجلات وصحف متخصصة بثقافة وادب الاطفال كان يصدر جريدة اسبوعية باسم (جنة الاطفال) توزع مجاناً بالاضافة إلى اصدارات ثقافية وتربوية اخرى اهتمت بصناعة الثقافة للاطفال كان لعمو زكي عائلة كبيرة جلهم من الاولاد كان حريصاً ان يجعلهم الوارثين لتراثه انصرف وانقطع كثيراً منهم وظل واحداً فقط وفياً لتراث والده هو المخرج مظفر زكي الذي كان مخرجاً متميزاً في قسم برنامج الاخبار في تلفزيون بغداد وانقطع عن العمل بعد الاحداث التي شهدها العراق وتهديم وتخريب بناية التلفزيون وسرقة محتويات مكتبته وجميع ما يخص العمل فيه اخر مرة شاهدت مظفرا المبدع كان يعمل سائق لسيارة اجرة من الباب الشرقي إلى الكرادة وبعدها سمعت انه قد فتح اسواقا وابتعد عن الفن والاخراج .

يرتبط عمو زكي بطفولة اجيال من العراقيين كما يرتبط هو بتاريخه الطويل بين عمر بداه في محلة القرة غول وعالم عاشه مع الاطفال ليشد عبر خيط طفولته افكارا مملوءة بالهواجس الجميلة التي ترجمها عبر شخصيته المحبوبة عند اطفال شبو وكونوا جيلا عريضا من الفنانين هذا الحوار الذي اجراه قبل وفاته بفترة قصيرة كمال لطيف سالم .

سر اهتمامه بعالم الطفولة يعود الى النبع الذي شرب منه لاول مرة ففي محلة القرة غول ولد عمو زكي سنة 1915 وتوفي سنة 1976 وكانت مدرسته الاولى عند الملا فاضل احد كتاتيب المحلة الذي مهد لدخوله مدرسة البدري التي تعتبر بالنسبة لذلك الوقت مدرسة متطورة بالقياس لاساليب التعليم انذاك ومدرسة التهذيب البدرية لمؤسسها المرحوم محمود البدري قد خرجت اجيالا من المبدعين والعلماء ومنهم العلامة المرحوم السيد شاكر البدري الشاعر الاديب ورجل الدين المعروف وشقيقه السيد عبد الرحمن البدري قاري المقام المتمكن والهاوي والعاشق للفن والموسيقى العراقية الاصيلة .

القصخون

عندما نسال عمو زكي عن سر ولعه بعالم الاطفال يقول بلهجته المحببة:
ان جدي كان قاصا معروفا وانا هنا لااعني القصة المكتوبة وانما اقصد ان جدي كان قصخونا بقص الغرائب والعجائب على رواد مقهى الفضل وفي هذه المقهى التي كانت بمثابة مسرح او تلفزيون او لنقل حتى سينما قدر لي ان ابحر مع تلك القصص والحكايات التي كانت تعج بالبطولات والخوارق مما وسع هذا النمط من الحكايات مخيلتي ودفعني الى التفكير بتقليد جدي حتى اصبحت بين اقراني (قصخونا صغيرا).

وفي عام 1938 بدات صلتي بالمذياع ففي محلتنا كانت عائلة واحدة تمتلك مذياعا وهذا ما كان يجعلنا نحيط بالمذياع على شكل جمهرة وبخاصة عندما كنا نسمع برنامج بابا صادق من اذاعة ماركوني في القاهرة وبالفعل فقد دفعني هذا البرنامج الى طموح جديد هو ان اقلد واصبح عمو زكي وعند تاسيس الاذاعة التي كانت مرتبطة انذاك بوزارة المعارف قدمت طلبا لتقديم برنامج للاطفال وفي يوم المقابة كنت امام فؤاد درويش مدير الاذاعة انذاك فدهش لصغر سني وقصر قامتي فرفض طلبي معللا ذلك باني طفل صغير وان مهمة برامج الاطفال يجب ان يقوم بها اشخاص طوال القامة ولهم شوارب ! فما كان مني الا ان اجبته عندما نظرت الى قامته القصيرة ولكن انت قصير ومع ذلك فانت مدير الاذاعة فادهشته عبارتي.
فقادني من يدي ووضعني امام الميكروفون حيث كنت اقف على الكرسي لاقدم برنامجي.

يروي عمو زكي عن ذكريات دخوله عالم الاطفال ...
بدات حياتي الفنية سنة 1929 عندما كان عمري خمسة عشر عاما حيث شاركت باول عمل مسرحي (ام عمش) تاليف المرحوم نديم الاطرقجي وكنا نقدم عروضا على مسرح صغير اقمناه في محلة الفضوة اذ كنا نصنع الملابس التاريخية وحسب اجواء كل مسرحية بمساعدة عوائلنا ومن الوجوه التي عملت معي في تلك الفترة لطفي حمدي ابراهيم المدرس المرحوم زكي السلامي ولا ننسى الرسام فائق حسن الذي كان يساهم في عمل الديكور ورسم بعض اللوحات ومجموعتنا كانت تضم ايضا كاتب السيناريو يوسف صالح الامام الذي يقوم بتلقين الادوار للممثلين واذكر بان المرحوم اسماعيل حقي كان يحفظ الدور لمجرد ترديده لمرة او مرتين اما كيف كنا نروج لمسرحياتنا فعن طريق النداء في الشوارع بواسطة فرقة موسيقية كما هو معمول في السينما.

وبعدان قطعنا شوطا في التمثيل انتقلت الى فرقة المعهد العلمي الذي كان يقوم بتعليم الاطفال القراءة والكتابة اضافة الى الموسيقى وفي هذا المعهد انضممت الى الفرقة المسرحية حيث واصلنا تقديم العروض المسرحية المختلفة من تاليف يحيى ونديم الاطرقجي الذي كان من ابرز الوجوه التي اغنت المسرح العراقي فقد كان شاعرا وممثلا وكاتبا وقد تميز باخلاصه وتفانيه للمسرح. وقد مات هذا الرائد بالسل في يوم ممطر.

عالم الطفولة
يستطرد عمو زكي في سرد ذكرياته قائلا :
وفي سنة 1938 تركت المسرح اتجهت الى برامج الاطفال وذلك بسبب ظهور السينما وقلة الاقبال على المسرح مما فرق شمل الممثلين فلجا الكثيرون منهم الى الاعمال الخاصة وقد اصبحت علاقتي ببرامج الاطفال امتدادا لعملي الفني السابق .

لقد كنت اسال نفسي دائما هل ساحقق امنيتي التي كانت لا تزال مزروعة في نفسي وبالفعل وجدت في برامج الاطفال متنفسي وصلتي الحميمة لتوجيه الطفل الوجه الصحيح الذي يجعله مرتبطا بارضه وبامته وتراثه الحضاري الاصيل فقدمت اول نص من فقرات برنامجي (الوفاء عند العرب) واستمريت في عملي لفترة طويلة فامنت ان عملي هو رسالة يجب ايصالها بامانة حيث كنت انظر دائما الى طفولتي والمعاناة التي عشتها وفي سنة 1956 اتجهت ببرنامجي الى التلفزيون. عندما افتتح في معرض شركة باي وساهمت به حتى سنة 1969 وكان برنامجي يميل الى نفس الاهداف التي كنت قد كرستها في برنامجي الاذاعي فكنت اقدم اسئلة ثقافية وتوجيهية كما كنت اقدم الضيوف واستمريت مع برنامجي حتى سنة 1969.



يروي الاستاذ رياض العزاوي بعضا من ذكرياته ....
قد عشت ردحاً من الزمن ملازماً للحاج عمو زكي الذي كان يجاور بيت خالتي في حي المأمون ببغداد وكان حريصاً على احتضان الاطفال الموهوبين واذكر في احدى المرات اختارني لاداء شخصية تاريخية كانت تقدم ضمن فقرات برنامجه المنوع في التلفزيون (جنة الاطفال) الذي كان يبث حياً وعلى الهواء مباشرة ويترقبه بشغف الاطفال والشباب اصابتني قشعريرة من الخوف ارتعدت لها اوصالي وشعرت بالخوف من الموقف الذي وضعني فيه المرحوم عمو زكي خرجت هارباً من مبنى الاذاعة والتلفزيون وقام باداء دوري باجادة وتفوق الفنان المعروف قائد النعماني الذي كان صديقاً لي ومن جيلي والذي اصبح فيما بعد واحداً من اشهر فناني الاذاعة والتلفزيون والمسرح في العراق .


عمو زكي تدهورت صحته في اواخر ايامه بعد ان اجهده العمل وانصرف إلى الاعمال الحرة بعد ان افتتح روضة للاطفال في حي المأمون ببغداد والتي قضى فيها مدة ثلاث سنوات اتت على امواله وتحويشة عمره ولم يبق له شيء مما ادى إلى سوء حالته النفسية وتدهور صحته واشتداد وطئة المرض عليه وفارق حياته في عام 1976 وودع حياة حافلة بالعطاء والابداع كان مثالاً رائعاً ونموذجاً فذا للرجل الفنان المخلص والوفي لشعبه ووطنه .
منقولة بتصرف ....

تحياتي
قصي الفرضي / العراق بغداد
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Picture1.jpg‏ (8.1 كيلوبايت, المشاهدات 224)
رد مع اقتباس