عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07/05/2006, 23h22
الصورة الرمزية احمد الديب
احمد الديب احمد الديب غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:149
 
تاريخ التسجيل: décembre 2005
الجنسية: مصرية
الإقامة: الكويت
المشاركات: 248
افتراضي الدراسات والبحوث والمقالات الخاصة بالمقام العراقي

المقام العراقي.. نغم وطرب وذكرى
بقلم الفنانة :سحر طه

كلمة مقام في اللغةً, تعني موقع القدمين أو ما يعتليه الشاعر أو المغني أثناء الإنشاد أو الغناء. المقامات جمع مقامة وهي المجلس والجماعة من الناس, وتطلق المقامات أيضًا على خطب من منظوم ومنثور, كمقامات الحريري والهمذاني. وأول من أطلق كلمة مقام هو قطب الدين بن مسعود بن مصلح الشيرازي المتوفى سنة 1310م في كتابه
(درجة التاج لغرة الديباج).
والمقام اصطلاحاً, تعني مجموعة من الأنغام متسلسلة أو غير متسلسلة وأي تغيير يحصل في هذا النظام نحصل على مقام آخر.
حين تذكر كلمة (مقام), في الموسيقى, نعرف بداهة أنها تعني نغمة ما, أو سلمًا من سلالم الموسيقى, كأن نقول مقام راست أو مقام بياتي, على سبيل المثال, ونعني بذلك نغمة راست أو سلم راست, والأمر يشمل بلدان الوطن العربي. في حين أن عبارة
(مقام عراقي)
تنطبق على العراق فحسب, ذلك أنها تعني بالذات نوعًا من أنواع الغناء التقليدي ينفرد به العراق دون غيره من بلدان الوطن العربي.
والمقام هو نمط غنائي يقوم على نغمة معينة. فالمقامات العراقية عبارة عن مؤلفات غنائية وموسيقية, تتداخل فيها مجموعة أنغام منسجمة بعضها مع البعض الآخر, تتكامل في بنائها النغمي وحسن صياغتها وجمال انتقالاتها بين قطعة وأخرى أو جنس وآخر, يرتجل فيها المغني أو من يسمى (قارئ المقام) حسب قدراته الصوتية, وخبرته في علم المقامات, وارتجاله هذا في غناء المقام يخضع لشروط متوارثة عبر الأجيال, وقواعد أساسية تنطبق على المقام عمومًا, وأخرى فرعية لكل مقام على حدة. هذه القواعد تندرج ضمن عدة أركان, تصل أحيانًا إلى ستة وأحيانًا أقل من ذلك. بدءًا من التحرير أو البدوة وانتهاء بالتسلوم (التسليم) وما بينهما مجموعة من الجوابات والقرارات والقطع والأوصال يقرأها القارئ بانسجام مع الآلات الموسيقية التقليدية بشكل تعارف عليه أهله.
قليلة هي الأبحاث حول المقام العراقي, وعلى قلتها فقد حملت الآراء المتناقضة حول تاريخه ومنبعه. فهناك من أعاد تاريخه إلى العصر العباسي ومنهم من يرد أصله إلى ما قبل ذلك بكثير. فالحاج هاشم محمد الرجب يخلص في مؤلفاته إلى أن (المقام العراقي) أو المقامات العراقية الحالية لا يرتقي زمانها إلى أكثر من 300 أو 400 سنة قبل الآن. ويذكر أن المقامات العراقية مؤلفة من أجناس وعقود غنائية ثلاثية ورباعية خماسية وسداسية وقليل منها سباعية. بينما الموسيقى والغناء في العصر العباسي وما بعده ثمانية أي مؤلفة من ثماني نغمات (أوكتاف). والمقامات العراقية مقامات غنائية, بينما المقامات في العصر العباسي وما بعده مقامات موسيقية أي سلالم موسيقية لأجل التلحين كالسلالم الموسيقية الشرقية المثبتة في الكتب الموسيقية الحالية. ثم إن الكتب الموسيقية الخطية منها والمطبوعة التي ألفت خلال العصر العباسي ومابعده أي إلى نهاية القرن التاسع الهجري, القرن الخامس عشر الميلادي لم يرد فيها أي ذكر للمقامات العراقية الحالية. إذ لو كانت موجودة في وقتهم وعصرهم لكانوا ذكروها وشرحوها وشرحوا أركانها كشرحهم للأبعاد والسلالم والأوزان والإيقاعات والآلات الموسيقية وجميع ما يتعلق بفن الموسيقى والغناء شرحًا مسهبًا ومفصلاً.
في حين أن شعوبي إبراهيم, عازف آلة الجوزة ومدرس المقامات العراقية, يرجع تاريخ المقام إلى العصر الأول للخلافة العباسية, حيث وصلتنا أخباره من الكتب الخطية والمؤلفة من قبل فلاسفة وأعلام الموسيقى آنذاك والتي حققها الباحثون ويثبت أن هذه الكتب ذكرت أسماء المقامات الموجودة والمتداولة في العراق اليوم, كما ذكر الفيلسوف ابن سينا (... إن بعض النغمات يجب أن تخصص لفترات معينة من النهار والليل ومن الضروري أن يعزف الموسيقار في الصبح الكاذب نغمة راهوي وفي الصبح الصادق حسيني وفي الشروق رست وفي الضحى بوسليك وفي نصف النهار زنكولا وفي الظهر عشاق وبين الصلاتين حجاز وفي العصر عراق وفي الغروب أصفهان وفي المغرب نوى وفي العشاء بزرك وعند النوم مخالف...). والواضح أن هذه الأسماء لاتزال متداولة في المقامات العراقية اليوم.
أما صفي الدين الأرموي البغدادي المتوفى سنة 1294, فيذكر عن شد الأوتار (دوزان) بطرق مختلفة نظرًا لما يتركه كل شد من أثر في النفس مغاير وله متعة مختلفة عن الشّد الآخر. (فمنها ما تؤثر قوة وشجاعة وبسطًا وهي ثلاثة: عشاق وبوسليك ونوى. أما راست ونوروز وعراق وأصفهان فإنها تبسط النفس بسطًا لذيذًا لطيفًا وأما بزرك وراهوي وزيرافكند, وزنكولا وحسيني فإنها تؤثر نوع حزن وفتور...).
جاء في مقدمة كتاب (الدر النقي) في علم الموسيقى للشيخ أحمد بن عبدالرحمن الموصلي القادري الرفاعي الشهير بالمسلم المتوفى في حدود سنة 1150 هجرية. ذكر العديد من أسماء المقامات المتبعة في العراق فلقد كتبها الرفاعي وهو من أهل الموصل, كان ذا إلمام بالمقام والاشتغال فيه.
ذكر في مقدمته المقام والدرجات العليا, المحير والأوج والعراق والمخالف وأصفهان والصبا والحجاز والعشاق والمقابل والإله والفصول وذكر تعادل الأوزان والزمن (الإيقاع) والفروع من الأصول ونوروز العرب ونوروز العجم وغيرها.
أما ثامر عبدالحسن العامري فهو يدحض مقولة الرجب بأن المقامات عمرها ثلاثمائة سنة أو أكثر, وإن المقامات عراقية صرفة, استحوذت على مشاعر الذين توالوا على احتلال العراق أثناء هيمنتهم ووجدوها مادة دسمة جميلة. وكذلك هي ليست بالتأكيد يهودية, حسب البعض, بل إن اليهوداشتغلوا بها مثل ضروب النشاطات الأخرى لكونهم أفرادًا ضمن المجتمع العراقي, خاصة عندما تخلى بعض المسلمين عن ممارسة العزف والغناء في العهد العثماني بحكم التقاليد الدينية فأتيحت لليهود فرصة العمل في الموسيقى بكل أصولها المتعارفة لدى المغنين المسلمين الذين عاصروهم. فالمقامات تحمل نكهة شرقية واسعة وهي حقيقة لا يمكن الطعن بها. ويقول العامري: (... ربما ابتكر الأتراك والفرس بعض المقامات الخاصة بهم ولكن ليس معنى هذا أن تصبح مقاماتنا ملكًا لهم). وجاء العامري بالعديد من الوثائق والمخطوطات التي تقطع دابر الشكوك. مغني المقام العراقي الفنان حامد السعدي, يذكر أن اسم المقامات العراقية ونسبتها يدلان على ذلك فهي عراقية صميمة منذ عهد العباسيين, وما قيل من أن بعض الأسماء الأعجمية فيها تدعو إلى التشكيك في صحة كونها عراقية بحتة, فإن ذلك لا عبرة له, ومن ادعى كون المقامات العراقية تركية المنشأ أو أن الأتراك العثمانيين جاءوا بها إبان حكمهم العراق لا يقوم عليه دليل, لأن الأتراك أنفسهم لا علم لهم بما في المقامات العراقية من عمق ومن تفصيل, وهم حكموا في أنحاء البلاد العربية والأرجاء فما تركوا فيها شيئًا يشبه هذه المقامات, مثل مصر وتونس واليمن وسورية والجنوب الغربي من الجزيرة العربية, فليس من المعقول أن يصطفوا العراق وحده بهذه الثروة النغمية الضخمة دون أن يبقوا لغير العراقيين بقية من ذلك.
ولا يستغرب السعدي, أن يأخذ المغنون العراقيون بعض ما استحسنوه من أنغام الشعوب الأخرى وما رأوه منسجمًا تمامًا مع طبيعة موسيقاهم العريقة. ومن ملاحظة أنماط المقام العراقي نرى أن هناك مقامات وأنغامًا تبدو عليها سحنة البداوة العربية كالجبوري والحكيمي, فالمقامات العراقية المعروفة في بعض الأنحاء المجاورة إن كانت غير عراقية الأصل فلقد باتت بحسن تصرف المغنين العراقيين عراقية, إذ لعبت بها حناجرهم فأزالت عجمتها, هذا إن لم تكن الأنغام الأعجمية هي نفسها عراقية عربية بلغت أسماع الأعاجم منذ العصور الأولى. وحول موطن المقام العراقي, فالمقامات العراقية كالمنصوري والحليلاوي والخنبات مثلاً مقامات غنائية لا تغنى إلا في العراق فقط.
أما في تركيا وإيران والهند وباقي الأقطار الشرقية ففيها مقامات غنائية وأسماء بعض منها كأسماء مقاماتنا إلا أنها تختلف عنها في التحارير والقطع والأوصال والميانات وحتى في الأداء. وقد عرف المقام في بغداد والموصل وكركوك وبعض المدن الكردية مع اختلافات بينها في صياغته وتعاطيه وبعض تسمياته, مع ظهور قراء مقام في بعض المدن العراقية كالبصرة والحلة وسامراء.
في الموصل تختلف المقامات عنها في بغداد, في التحارير والبداوات والقطع والأوصال والميانات والجلسات. ولا يتقيد قراء المقام في الموصل بتسلسل أركان أي مقام إذ إن المغني أو القارئ يحرر المقام وبعد التحرير يأخذ أي قطعة تروقه. وإذا أعاد غناء المقام نفسه قد يأخذ قطعة غير تلك التي أدخلها في المرة الأولى وهكذا. بينما في بغداد خلاف ذلك, إذ إن المغني بعد تحرير المقام يسلسل أركانه بحسب ما هو متعارف عليه ومتبع عند أربابه وإذا أعاد غناءه فهو يعيده كالمرة الأولى.
الأغراب والمقام
تعددت الاحتلالات, وتتالت الفتوحات على العراق منذ سقوط الدولة العباسية وحتى اليوم, ومن البداهة أن تتأثر المقامات العراقية بعادات المحتل ولغته وموسيقاه كما هو العكس تمامًا. فنجد مقامات عربية أصيلة مثل الصبا وأخرى تركية مثل الأورفه وفارسية مثل السيكاه وكردية مثل اللاووك وهندية مثل الراست الهندي. لكن الأكيد أن المقامات صهرت بحناجر عراقية فأصبحت ذات خصوصية عراقية عربية, وخاصة حين نعرف أن لكل قارئ طريقته وأسلوبه في إدخال قطع وأوصال والابتكار في التحارير والبداوات والقرارات والجلسات والميانات والتساليم. إنها مادة فيها خصوصية ضمن الخصوصية, والتلاميذ نقلوا أسلوب كل منهم عبر الأجيال مشافهة.
ويعود سبب بقاء الألفاظ الأعجمية في بعض المقامات إلى أن بعض أو أكثر المغنين كانوا يتغنون إرضاء للولاة والوزراء والأمراء الذين يجهلون اللغة العربية. أما سبب الإبقاء على هذه الألفاظ الأعجمية, فهو خوف المغني عليها من الضياع إن هو أبدلها بكلمات عربية, خاصة في ذلك الوقت حين لم يكن قد تم اختراع آلات التسجيل, لكي تحفظ المقامات, حيث كانت تنتقل مشافهة كما أسلفنا عن طريق أرباب المقام وتلامذتهم, رغم وجود محاولات من بعض القراء وضع كلمات عربية بدل تلك الأعجمية كما فعل هاشم الرجب في مقام الراست حين سجله في إذاعة بغداد عام 1959.
كما كان مبدأ الوصلة في الغناء المصري والتي تقوم على غناء قصيدة ودور وموشح وطقطوقة مثلاً في وصلة غنائية واحدة على مقام واحد, فإن المقامات العراقية كانت تغنى غالبًا ضمن فصول, وعددها خمسة. والفصل مكون من عدة مقامات متعارف عليها تغنى واحدًا بعد الآخر على أن يبدأ بمقام رئيسي. وبين مقام وآخر تغنى بستة (أغنية شعبية) من قبل أعضاء الفرقة الموسيقية لكي يستريح المغني بعد قراءته للمقام ولكي يستعد لقراءة المقام الذي يليه, وبين فصل وآخر استراحة عامة للمغني والموسيقيين.

التعديل الأخير تم بواسطة : نور عسكر بتاريخ 28/01/2013 الساعة 03h56
رد مع اقتباس