عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 19/01/2007, 20h55
MOHAMED ALY MOHAMED ALY غير متصل  
قـناديلى ـ رحمة الله عليه
رقم العضوية:700
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 69
المشاركات: 839
افتراضي 8 - عمر الخيام

8 - عمر الخيام

تمثل ربـاعيـات الخيام.. خاصة بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، نقطة تحول هامة وكبيرة في حياة أم كلثوم، فيما يخص إقبالها على غناء القصائد العربية خاصة القديمة . فقد أقبلت سيدة القصيدة العربية على الشدو بهذه الأبيات بعدما رسخت أقدامها في ميدان غناء القصائد، وبعد أن ازدادت خبرتها في المجال نفسه.
وكذلك تعتبر قصيدة "الرباعيات" من أول قصائد الشعر العربي الفصيح الذي تغنت به أم كلثوم خارج نطاق عملها السينمائي.
أضف إلى ذلك أن قصيدة رباعيات الخيام والتي انتقت منها الأبيات التي شدت بها جاءت بعد تجربـة كبيرة وغير مسبوقة في مجال القصائد العربية ذلك المشوار الطويل الذي بدأت أولى خطواته في عام
1926.ليس هذا فقط. بل تعتبر قصيدة عمر الخيام المشهورة.. فتحاً جديداً في عالم تلحين القصائد، بدخول ملحن كبير مثل رياض السنباطي هذا الميدان بعد كل من الشيخ أبو العلا محمد والدكتور النجريدي وزكريا أحمد والقصبجي.
والغريب أن هذه القصيدة التي أبدعت فيها أم كلثوم كانت من ترجمة وأشعار شاعر الشباب أحمد رامي الذي بدأ حياته شاعراً في مجال الفصحى ثم تحول بعد ذلك إلى شعر العامية وأبدع فيه بناء على إقناع أم كلثوم له بذلك.
ويرى المؤرخون والنقاد.. أن أم كلثوم أنهت مرحلة هامة من مراحل حياتها الفنية في عام 1949حين شدت بأشعار عمر الخيام و استعدت من بعدها لدخول الميدان نفسه ولكن مع شعراء من العصر الحديث سواء من مصر أو من الدول العربية والإسلامية .
ولقصيدة رباعيات الخيام قصة رواها كل من ملحنها رياض السنباطي ومترجمها أحمد رامي.. وهي لا تبعد كثيراً عن مضمون هذه الأبيات التي تغنت بها أم كلثوم.. بل تصب في إطارها صباً مباشراً.
و ذكرت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد جانباً من هذه القصة عند حديثها عن ذكريات أم كلثوم مع ملحن قصائدها.
ومما ذكرته في هذا السياق قولها:
..وفي الزمالك وضع السنباطي اللحن الذي يردده بينه وبين نفسه ويستعيده كلما اشتاق إلى عوده.. عن رباعيات الخيام.. وقف السنباطي في إحدى قراءاته للرباعيات عند البيت:
أطفئ لظى القلب بكأس الشراب
فإنما الأيام مثل السحاب

وكان هذا البيت أول بيت لحنه السنباطي من الرباعيات، ثم أخذ يلحن رباعيات كثيرة مختلفة من الديوان وظل على هذا الحال عدة شهور، ثم ذهب إلى أم كلثوم وأسمعها اللحن...
وكذلك كانت لهذه الرباعيات قصة مع مؤلفها ومترجمها الشاعر أحمد رامي.. وقد ارتبطت برحيل أحد اخوته عندما كان هناك يدرس في فرنسا.
وعن ذلك قال أحمد رامي نفسه: لقد بدأت ترجمة هذه الرباعيات بعد أن وصل نعي أخي الشقيق الذي مات ودفن في دار غربة وأنا نازح هذه الدار، فاستمددت من حزني عليه قوة على تصور آلام الخيام وظهر لعيني بطلان الحياة التي احتقرها في رباعياته فحسبتني وأنا أترجمها أنظم رباعيات جديدة أودعها حزني على أخي الراحل في عنفوان الشباب وأصبر نفسي بقرضها على فقده.
والقصيدة التي غنتها أم كلثوم من شعر عمر الخيام تقول كلماتها :
سمعت صوتاً هاتفاً في السحر
نادى من الغيب غفاة البشر
هبوا املأوا كأس المني قبل أن
تملأ كأس العمر كف القدر
لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذاته
فليس في طبع الليالي الأمان
غداً يظهر الغيب واليوم لي
وكم يخيب الظن في المقبل
ولست بالغافل حتى أرى
جمال دنياي ولا أجتلي
القلب قد أضناه عشق الجمال
والصدر قد ضاق بما لا يقال
يارب هل يرضيك هذا الظمأ
والماء ينساب أمامي زلال
أولى بهذا القلب أن يخفقا
وفي خدام الحب أن يحرقا
ما أضيع اليوم الذي مر بي
من غير أهوى وأن أعشقا
أفق خفيف الظل هذا السحر
نادى دع النوم وناغ الوتر
فما أطال النوم عمراً ولا
قصر في الأعمار طول السهر
فكم توالى الليل بعد النهار
وطال بالانجم هذا المدار
فامش الهوينا إن هذا الثرى
من أعين ساحرة الأحورار
لا توحش النفس بخوف الظنون
واغنم من الحاضر أمن اليقين
فقد تساوى في الثرى راحل
غداً، وما من في ألوف السنين
أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب
فإنما الأيام مثل السحاب
وعيشنا طيف خيال فنل
حظك منه قبل فوت الشباب
لبست ثوب العيش لم أستشر
وحرت فيه بين شتي الفكر
وسوف أنضو الثوب عني ولم
أدرك لماذا جئت اين المفر ؟
يا من يحار الفهم في قدرتك
وتطلب النفس حمى طاعتك
أسكرني الأثم.. ولكنني
صحوت بالآمال في رحمتك
إن لم أكن أخلصت في طاعتك
فإنني أطمع في رحمتك
وإنما يشفع لي.. أنني
قد عشت لا أشرك في وحدتك
تخفى عن الناس سنا طلعتك
وكل ما في الكون من صنعتك
فأنت مجلاه وأنت الذي
ترى بديع الصنع في آيتك
إن تفصل القطرة من بحرها
ففي مداه منتهى أمرها
تقاربت يارب.. ما بيننا
مسافة البعد على قدرها
يا عالم الأسرار.. علم اليقين
يا كاشف الضر عن البائسين
يا قابل الأعذار عدنـا إلى
ظلك فاقبل توبة التائبين

والأبيات السابقة يبلغ عددها ثلاثون بيتاً من أصل ثلاثمائة واثنين وأربعين بيتاً هي كل عدد أبيات الرباعيات التي ترجمها أحمد رامي.
ولقد لاحظنا أن كوكب الشرق أم كلثوم حين أقدمت على غناء الرباعيات قد اختارت أبياتاً بعينها من هذه القصيدة الطويلة.. دون مراعاة للترتيب العام الذي ارتضاه عمر الخيام أو المترجم و الناظم أحمد رامي .
ولسوف يبدو لنا بعد ذلك بوضوح من خلال استعراضنا لما هو آت من كلمات تستحق التوقف عندها طويلاً.
فقد حرصت أم كلثوم على اختيار الأبيات الأول والثاني وفق ترتيب الديوان إلا أنها أخلت بعد ذلك بهذا الترتيب.. إلا البيتين الأخيرين حيث جاءا أيضا وفق الترتيب العام للديوان - باعتبارها آخر ما كتبه المؤلف ونشره المترجم في الديوان.
ورغم التزام أم كلثوم بترتيب البيت الأول والثاني.. فقد غيرت في بعض كلماتها.. فاختارت كلمة "الغيب" في الشطر الثاني من البيت الأول بدلاً من كلمة "القبو". كما اختارت كلمة "كأس المني" في البيت الثاني بدلاً من "كأس الطلا".. وكلمة "تملاً" بدلاً من "تفحم".
وتبدأ مراسم اختلاف الترتيب من البيتين الثالث والرابع، حيث جاء موقعهما في القصيدة الأصلية رقم مائة وثلاثة وخمسين ومائة وأربعة وخمسين، والبيتان الخامس والسادس يحتلان رقم اثني عشر وثلاثة عشر، أما البيتان السابع والثامن فقد احتلا رقم مائة وسبعة وسبعين ومائة وثمانية وسبعين.. بخلاف ما بهما من تغييرات خاصة البيت الثامن والتي أدخلتها أم كلثوم على كلمات هذا البيت بحيث جاء مختلفاً كله إلى حد ما. فالبيت الذي نشر بالديوان تقول كلماته:
يا رب هل يرضيك أن أرى
ظمآن والماء أمامي زلال
أما البيت الذي غنته أم كلثوم فتقول كلماته بعد التغيير:
يا رب هل يرضيك هذا الظمأ
والماء ينساب أمامي زلال
والبيتان التاسع والعاشر يحتل كل منهما رقمي ثلاثمائة وثلاثة وثلاثمائة وأربعة، ثم البيتان الحادي عشر والثاني عشر يمثل كل منهما رقم تسعة وعشرين وثلاثين، مع وجود تغيير طفيف خاصة في البيت الثاني عشر، إذ غيرت أم كلثوم في الشطر الثاني حيث أصبح
نادى.. دع النوم وناغ الوتر
بدلاً من :

وهاتها حرفاً وناغ الوتر
أما البيتان الثالث عشر والرابع عشر فقد اتضح أنهما يحتلان رقم واحد وأربعين وإثنين وأربعين، مع وجود أيضا تغيير في كلمة "فكم" حيث صارت "وكم"، والبيتان الخامس عشر والسادس عشر أصبح مكانهما رقم مائه وواحد وثمانين ومائه واثنين وثمانين بدون أدني تغيير، والبيتان السابع عشر والثامن عشر فقد احتل كل منهما رقم تسعة وخمسين وستين، مع وجود تغيير في الشطر الأول من البيت السابع عشر إذ استبدلت أم كلثوم كلمتي "برد الشراب" بكلمتي "شهد الرضاب".
وكذلك البيتان التاسع عشر والعشرون، فقد احتل كل منهما رقم ثلاثة وعشرين وأربعة وعشرين.. مع إضافة حرف الهاء إلى كلمة "أنضو" لتصير "أنضوه"..
أما البيتان الواحد والعشرون والثاني والعشرون فقـد احتلا رقمي مائتين وتسعة وأربعين ومائتين وخمسين، بلا تعديل، والبيتان الثالث والعشرين والرابع والعشرون فيحتلان رقمي ثلاثمائة وتسعة وعشرين وثلاثمائة وثلاثين، مع تعديل طفيف في كلمة "أطمع" التي اختارتها أم كلثوم بدلاً من كلمة "فئت"، والبيتين الخامس والعشرون والسادس والعشرون يحتلان كذلك رقمي مائتين وسبعة وثمانين ومائتين وثمانية وثمانين بدون تعديل، والبيتان السابع والعشرون والثامن والعشرون فيحتلان رقمي مائتين وسبعة وثلاثين ومائتين وثمانية وثلاثين.
أما البيتان التاسع والعشرون والثلاثون فقد حرصت أم كلثوم على أن يكونا في موقعهما الذي اختاره الشاعر والمترجم وبذلك فقد احتلا رقمي ثلاثمائة وواحد وأربعين وثلاثمائة واثنين وأربعين، مع وجود تعديل في البيت الأخير إذ استبدلت أم كلثوم كلمة "عدنا" بدلاً من كلمة "فئنا".
هذا عن القصيدة وما جاء بها من أبيات ظهر بها بعض التعديلات وفق ما اختاره المؤلف بعد موافقة أم كلثوم، فماذا عن صاحب الرباعيات نفسه.. العلامة الكبير عمر الخيام .
ولقد عاهدناكم منذ التقينا لأول مرة فوق هذه الأوراق ضرورة الوقوف على بعض ما سطره التاريخ والمؤرخون عن صاحب القصيدة.
وعمر الخيام صاحب هذه الرباعيات هو وفق الإجماع غياث الدين عمر ابن إبراهيم الخيام نسبة إلى مهنة والده. وهو فارسي الأصل .. ولد في مقاطعة خراسان في عام 1040م وتعلم في بلدته خرسان ثم رحل بعد ذلك إلى مكة وبغداد.. وبعد فترة عاد مرة أخرى ليستقر في خرسان.
وقدم لنا الشاعر الأصل أحمد رامي الشيء الكثير عن سيرة عمر الخيام في مقدمة ترجمته لديوانه، ومما أشار إليه ويستحق التوقف عنده قوله إن هناك كثيراً من الشك قد اكتنف حياة الخيام في جميع أدوار حياته.. وذلك من يوم مولده وحتى يوم وفاته.
وأضاف رامي قائلاً "إنه لولا أن قبره موجود الآن بنيسابور والمعروف بمقبرة (الحيرة) لأبى الموت كذلك أن يدلنا على مرقده الأخير.
ويؤكد أحمد رامي أن عمر الخيام قد مات ما بين سنة 1112م، وسنة 1135م، كما أكد على لسان بعض المؤرخين من أهل عصره أن عمر الخيام كان إمام أهل خرسان وأعلم أهل بلدته وزمانه، وأكثرهم اضطلاعاً بعلوم الفلك والفلسفة. إلى جانب ذلك كتب الشعر والأدب..
وكان من أشهر ما كتبه في هذا المجال رباعياته التي احتار المؤرخون في تحديد تاريخ كتابتها. حيث إن أقدم نسخة تم العثور عليها لم تثبت إلا عام 865هـ 1460م كما حاروا كذلك في تحديد هذه الرباعيات، حيث إن أقدم نسخة تحوى 158رباعية ويتراوح عددها في النسخ الأخرى ما بين 76و 845رباعية.
ومن المحتمل أن يكون هناك نسخة لهذه الرباعيات مكتوبة أثناء حياته ولكن تعرض نيسابور بعد وفاته للغزو والإحراق على يد المغول والتتر قطع الأمل في وجود هذه النسخة الصادقة.
والرباعيات التي أبدعها الخيام هي عبارة عن مقطوعات من أربعة أشطار يكون الشطر الثالث فيها مطلقا. وقد نقلت إلى اللغة العربية بعد ترجمتها أكثر من مرة.
ورغم أن عمر الخيام قد اشتهر في التاريخ بالعديد من الأعمال العلمية والفلكية إلا أن شهرته ظلت مرتبطة حتى الآن بتلك الرباعيات.. وهذا يدل دلالة كبيرة على قيمة الأدب.. وأهميته كمصدر من مصادر بقاء الأعمال إلى الخلود.

رد مع اقتباس