عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 17/01/2007, 21h42
MOHAMED ALY MOHAMED ALY غير متصل  
قـناديلى ـ رحمة الله عليه
رقم العضوية:700
 
تاريخ التسجيل: mars 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 69
المشاركات: 839
افتراضي 6 -- شاعر النيل .... حافظ ابراهيم

6 -- حافظ ابراهيم

على الرغم من أن سيدة القصيدة العربية أم كلثوم قد تغنت بقصيدة شاعر النيل "حافظ إبراهيم".. في عام 1951، التي يقول مطلعها:
وقف الخلق ينظرون جميعا. إلا أن هذه القصيدة قد ارتبطت بشدة بأهم حدث سياسي وقع لمصر خلال القرن العشرين. ألا وهو قيام ثورة عام 1952.
ويبدو أن اختيار أم كلثوم لهذه الكلمات على الخصوص لم يأت اعتباطاً أو تم بشكل عشوائي، بل هداها تفكيرها وشعورها الوطني المرهف إلى أن هناك شيئاً مهماً وخطيراً في الأفق، وربما يدبر له في الخفاء. خصوصاً بعد الأحداث الدامية في حرب فلسطين عام 1948وما لحق بمصر والعرب من هزيمة عسكرية.
في هذا الوقت العصيب الذي كانت تمر فيه مصر بمرحلة تاريخية هامة وخطيرة.. شدت أم كلثوم بكلمات حافظ إبراهيم الذي يتغنى فيها بمصر وعظمتها وتاريخها الطويل والعريق. رغم ما في هذه الكلمات من تحريض صريح على الثورة واستخراج القوة، فقد سمحت سلطات الحكومة الملكية آنذاك بإذاعتها.. ويبدو أنهم لم يلتفتوا إلى مغزاها إلا في وقت متأخر.
وعندما قامت ثورة 23يوليو عام 1952، اتخذ المسئولون عن الإعلام في مجلس قيادة الثورة من كلمات هذه القصيدة سلاح إعلامي خطير للترويج لها ولأحداثها. ولكسب المزيد من المؤيدين.. إذ ظلت إذاعة القاهرة بعد الاستيلاء عليها ومنذ اللحظة الأولى لإعلان بيان الثورة الأول، تواصل إذاعة قصيدة حافظ إبراهيم بصوت أم كلثوم، مع كل بيان ثوري يذيعه أحد الضباط.
ولحسن الحظ فقد فاز الموسيقار الكبير رياض السنباطي بشرف تلحين هذه القصيدة. وقد أبدع فيها إبداعاً لم يقل عن إبداعاته الموسيقية السابقة..
ولأم كلثوم ذكريات جميلة سجلتها في أوراقها الخاصة عن هذه القصيدة وعن شاعرها حافظ إبراهيم، ومما قالته في ذلك: مرة طلبوا مني أغنية وطنية، وقالوا لي: كلفي ما تشائين من شعراء الأغاني لتنظيم قصيدة في أسرع وقت لتغنيها في أقرب فرصة.. فلما عدت إلى البيت تذكرت أنني أحفظ لشاعر النيل حافظ إبراهيم . قصائد رائعة وعكفت على ديوانه وانتقيت قصيدة من ديوانه ورحت اختار أبياتاً أغنيها من بين أبياتها العديدة، وقبل أن أنام وفي الرابعة صباحاً.. كنت أدندن باللحن لبيته الرائع:
أنا إن قدر الإله مماتي
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
وعندما وقفت - والكلام لا يزال لأم كلثوم - أغني القصيدة أحسست أنني وفيت ديناً في عنقي لشاعر لم أره ولكن من حقه عليّ أن أحمل روائعه إلى الجماهير العربية.
وبالفعل وفي عام 1951غنت سيدة القصيدة العربية: قصيدة مصر تتحدث عن نفسها أمام الإذاعة ولم تسجلها على اسطوانات كالمعتاد، بل ظل التسجيل الوحيد لهذه القصيدة موجوداً بمحطة الإذاعة المصرية، حبيس الأشرطة حيث لم تذع إلا مرات بعينها.. حتى قيام الثورة في عام 1952.إذ ظلت الإذاعة تبثها على كل موجاتها بين الحين والحين.
وتقول كلمات ما غنته أم كلثوم لحافظ إبراهيم:
وقف الخلق ينظرون جميعا
كيف أبني قواعد المجد وحدي
وبناة الأهرام في سالف الدهر
كفوني الكلام عند التحدي
أنا تاج العلاء في مفرق الشرق
ودراته فرائد عقدي
إن مجدي في الأوليات عريق
من له مثل أولياتي ومجدي
أنا إن قدر الإله مماتي
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
ما رماني رام وراح سليماً
فن قديم عناية الله جندي
كم بغت دولة عليّ وجارت
ثم زالت وتلك عقبى التحدي
إنني حرة كسرت قيودي
رغم أنف العدا وقطعت قيدي
أتراني وقد طويت حياتي
في مراس لم أبلغ اليوم رشدي
أمن العدل أنهم يردون المساء
صنعوا وأن يكدر وردي
أمن الحق أنهم يطلقون الأ
سد منهم وأن تقيد أسدي
نظر الله لي فارشد أبنا
ئي فشدوا إلى العلا أي شد
إنما الحق قوة من قوى الديان
أمضي من كل أبيض وهندي
قد وعدت العلا بكل أبي
من رجالي فانجزوا اليوم وعدي
وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق
فالعلم وحده ليس يجدي
نحن نجتاز موقفاً تعثر الآراء
فيه وثمرة الرأي تردى
فقفوا فيه وقفة حزم

وارسوا جانبيه بعزمة المستعد
وعندما رجعنا إلى ديوان حافظ إبراهيم الذي صدر في جزءين في عام 1927وجدنا أن شاعرنا الراحل قد نشر هذه القصيدة تحت عنوان مصر . وقد ألقاها من قبل أن ينشرها في هذا الديوان في حفل عام إقيم تكريماً للمرحوم عدلي باشا يكن بعد عودته من أوروبا مقاطعا المفاوضات مع الإنجليز.. ومستقيلاً من رئاسة الوزارة، كما نشرت هذه القصيدة ولأول مرة في الصحف في عام
1921.كما اتضح لنا كذلك من الإطلاع على الديوان نفسه أن عدد أبيات قصيدة مصر لحافظ إبراهيم التي تغنت بها أم كلثوم تحت عنوان: مصر تتحدث عن نفسها 57بيتاً.. في حين غنت منها كوكب الشرق 17بيتا فقط.. وهي الأبيات السالف نشرها في هذه الأوراق.
وقد اختارت أم كلثوم من هذه القصيدة وفق ترتيب حافظ إبراهيم أول ثلاثة أبيات، ثم أهملت بعد ذلك 22بيتاً، ثم اختارت بعد ذلك البيت الرابع في ترتيب ما تغنت به الذي يقول مطلعه:
إن مجدي في الأوليات عريق
ثم عادت كوكب الشرق واختارت الأبيات أرقام 11و 12و 13و 14من القصيدة وفق ترتيب الشاعر.. كما اختارت كذلك البيت رقم 30الذي يقول مطلعه:

أتراني وقد طويت حياتي
ولم تختر البيت الواحد والثلاثين وفق ترتيب القصيدة الأصلية الذي قال فيه حافظ إبراهيم:
أي شعب أحق مني بعيش
وارف الظل أخضر اللون رغد

ثم عادت واختارت من القصيدة البيت الثاني والثلاثين الذي تقول في مطلعه:
أمن العدل أنهم يريدون المال
وكذلك اختارت البيت الثالث والثلاثين الذي يقول مطلعه:
أمن الحق أنهم يطلقون الأسد
كما أهملت البيت الرابع والثلاثين الذي قال فيه الشاعر:
نصف قرن إلا قليلاً أعاني
ما يعاني هوانه كل عبد
واختارت بعد ذلك البيت الخامس والثلاثين والذي يقول مطلعه:
نظر الله لي فارشد أبنائي

وكذلك البيت السادس والثلاثين الذي تقول فيه:
إنما الحق قوة من قوى الديان
وأيضا البيت السابع والثلاثين الذي يقول مطلعه:
قد وعدت العلا بكل أبي
أما البيت الثامن والثلاثين الذي يقول فيه حافظ إبراهيم:
أمهروها بالروح فهي عروس
تسنا المجد من عروض ونقد
فلم تختره أم كلثوم - وكذلك البيت التاسع والثلاثين الذي قال فيه الشاعر:
وردوا بي مناهل العز حتى
يخطب النجم في المجرة ودي

إلا أنها اختارت البيت رقم 40الذي يقول في مطلعه:
وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق
ثم أهملت الأبيات من 41إلى , 48.واختارت البيت التاسع والأربعين الذي تقول في مطلعه:
نحن نجتاز موقفاً تعثر الآراء
كما اختارت البيت رقم 53من القصيدة نفسها الذي قالت فيه كختام لما تغنت به:
فقفوا فيه وقفة حزم
وارموا جانبيه بعزمة المستعد

وبذلك فقد أهملت الأبيات من 50وحتى ,52.
أما فيما يخص بعض ما قيل بشأن حياة هذا الشاعر الكبير فيؤكد أنور الجندي في كتابه عن أعلام الفكر والأدب أن حافظ إبراهيم عاش حياته أعزب منطويا على نفسه منذ عودته من السودان، كما ظل على هذه الحالة النفسية الصعبة قرابة من عشرين عاماً في دار الكتب. وقد نشأ في بيئة شعبية كما مات أبوه صغيراً.. كما اتصل هذا الشاعر الوطني الكبير برجلين كانا من كبار رجال عصره وهما محمد عبده وسعد زغلول. واستمرت صلته بالشيخ محمد عبده طويلاً.. وقد أثر عن الشيخ محمد عبده قوله: "إنني صحبت" حافظ "أربعين عاماً فلم أستطع أن أهديه ولم يستطع أن يضلني"!. مات حافظ إبراهيم يوم 21يوليه عام 1932.وله مكانه كبيرة في حياتنا الأدبية.. إذا اتصل آنذاك بأعلام الشعر في عصره من أمثال شوقي ومطران وآخرون..

رد مع اقتباس