عرض مشاركة واحدة
  #167  
قديم 24/08/2010, 19h29
الصورة الرمزية فاضل الخالد
فاضل الخالد فاضل الخالد غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:457466
 
تاريخ التسجيل: août 2009
الجنسية: عراقية-سويدية
الإقامة: السويد
المشاركات: 592
افتراضي

قد حلا نظمي ورقَ الغَزلُ

كتب الشاعر والكاتب والباحث العراقي الاستاذ( خالص عزمي) موضوعا في التراث الفني العراقي بالعنوان اعلاه نشر في البعض من المواقع انقله هنا بشيء من التصرف .

في بداية القرن الماضي ومع ان اغلب المطربين كان قد تعلم بدايات القراءة والكتابة والخط في الكتاتيب ويستمع الى تلاوة الذكر الحكيم على انغام مقامات الماهوري والمخالف والحويزاوي والبهيرزاوي ...الخ ، الا اانهم كانوا يجهلون ابسط قواعد اللغة العر بية كما كانوا يجهلون اكثر معاني الابيات الشعرية التي يرددونها اثناء الغناء والانشاد، اما بسبب اميتهم أو لان الزمن الذي ترعرعوا فيه كان لا يمنحهم الفرصة لتعلم لغتهم الام بالطرق المأصلة، ولذلك كانت قراءاتهم الشعريةكبداية لبعض المقامات كالرست والاوج والدشت والاوشار والبيات والطاهر والخلوتي والنهاوند والارواح تعج بالاخطاء ويزدحم فيها التداخل في الكلمات والتعابير مع التشابك الصوتي بنطق الالفاظ بحيث يؤدي كل ذلك الى الابهام والغموض وبالتالي يجعل المستمع ضائعا في متاهات تمنعه ما يردده القاريء من شعر.
ولكن منذ الثلاثينات وما اعقبها شعر بعض المطربين وهم يواصلون تطورهم وتقدمهم في مجال الغناء والموسيقى لتعبر عما يريدون ابرازه من احساس صادق عن المعاني التي يرتاح لها جمهور المتلقين انهم بحاجة ماسة الى الاقتراب اكثر من الشعراء والادباء ، لكي تتاح لهم فرصة التعرف على الوان من القصيد والغوص في مفهوم المفردات وقواعد اللغة في مختلف ابوابها، ذلك ان الاكتفاء بدائرة الشاعر والملحن والمطرب دون الاستعانة بآخرين من المختصين الذين حباهم الله موهبة الموسوعية الفائضة في هذا المجال، انما يغلق تلك الدائرة على نفسها ويعرضها الى الخطأ المحتمل او التكرار المملن وكان في طليعة هذه الكوكبةرائد المقام العراقي الاستاذ محمد القبنجي، حيث لا حظ في تلك الفترة بالذات ان عليه التعمق بدراسة بعض قواعد النحو والصرف والبلاغة وعاني المفردات ، فكان انافاد من مجالسة كبار الشعراء والادباء وفصحاء اللغةواخذ عنهم الكثير من الارشاد والتوجيه ، وبهذه الطريقة استطاع ان يتالق في اختيار الشعر ويتفادى في ذات الوقتمواطن الخطا في الالقاء الى حد بعيد وكان من ابرز تلك الكوكبةالتي استعان بها، معروف الرصافي وبهجت الاثري وعلي الخطيب وعبد الرحمن البناء واحمد حامد الصراف وجلال الحنفي وعبد الكريم العلاف ...الخ
ولعل افتتاح دار الاذاعة العراقية ثم اذاعة قصر الزهور الدور المهم في جمع شمل الشعراء والادباء والملحنين والمطربين الى بعضهم البعض فافاد الجميع من هذا التقارب العفوي ايما فائدة وبخاصة اسلوب الاصح في تفهم مخارج الالفاظ ونطق الحروف والتوقف كثيرا عند انتقاء القصائد الملائمة طبقا لقاعدة لكل مقام مقال .
ولعل للعلامة الشيخ جلال الحنفي تلك الشخصية الموسوعية متعددة المواهب الدور الرئيس في دفع مطربي المرحلة الثانية الى عوالم شعرية ولغوية اعطتهم الفرصةلكي يطوروا قابلياتهم ويصححوا مسار قراءاتهم
كما لا بد لنا من الاشارة الى تاثر شعراء الاغنيةالمكتوبة باللهجة الدارجة حيث ظهرت لهم مجموعة من الاغنيات التي كانت تقترب كثيرا من اللغة الفصحى في جوهر تعبيرها وكان في مقدمة هؤلاء الشاعر الشعبي الكبير الملا عبود الكرخي بقصائده ( المجرشة، وشنهو السبب تنسوني ، وبا ولد يابو السدارة ، ونور بوجنتك لونار ، روحي سلبها نعمان ... الخ ) وعبد الكريم العلاف والذي عرف باغانيه الفصيحة واغانيه اتلدارجة ايضا حيث قدم نماذج رفيعة من الاغنيات ذات الخيال الواسع واللغة الاقرب الى الفصحى ن تلك الاغاني التي دخلت التاريخ وما زالت حية حتى يومنا هذا كأغنيات (يانبعة الريحان ، كلبك صخر جلمود ، الهجر موعادة غريبة، على شواطي دجلة امر ، ما اكدر اكولن آه ... الخ)
كما نا المطربات البارزات من امثال منيرة الهوز وز وسليمة مراد وزكية جورج ... الخيتغنين بقصائد مشهورة من الشعر الرقيق الفصيح مثل ( أن شكوت الهوى
فلا انت منا ايا عليل وايها الساقي اليك المشتكى ويعاهدني لا خانني ثم ينكث ... الخ )
ومى كادت فترة الزمن التي تهادت ما بين الاربعينات والخمسينات تطل بعدئذ ببشائرها المتألقة في شتى انواع المعرفة حتى كان للمطربين والملحنين والشعراء دورهم في شد الأواصربصيغة برزت بشكل جلي في كثير من الاعمال التي قدمها شباب تلك الايام كيوسف عمر وعبد الرحمن خضروناظم الغزالي ورضا علي ويحيى حمدي ومحمد كريم وعباس جميل ومحمد عبد المحسن وكان للشعراء والادباء اثرهم في صقل ذائقة اولئك الفنانين والارتفاع بكفائاتهماللغوية والبلاغية الى مستويات اهلتهم الى ولوج الوسط الثقافي والى التقرب اكثر الى عوالم المعرفة بشكل عام .
ان الذين عاشوا تلك الحقبة الزمنية يتذكرون جيدا مدى العلاقة الحميمة التي كانت
بعدد كبير من صفوة تلك النخبةالفذة امثال اشعراء العلاف وانور شاؤول وعبد الستار القره غولي وعبد القادر رشيد الناصري وعبد المجيد الملا وعلي الفراتي ...الخ من شعراء الفصحى وكذلك مع شعراء الاغنية كجبوًري النجار وسبتي طاهر وسيف الدين ولائي ...الخ
وكا كانت الاذاعة موئلا لهذا الترابط المتبن حيث كان لفرقة الموشحات بقيادة الموسيقارؤ والباحث الحلبي الكبير علي الدرويش ومن ثم الموسيقار روحي الخماش ، دورا بارزا في تقويم السنة اعضائها الذين كانوا يشنفون الاسماع بارقى القصائد واعذب الالحان
وفيما يلي امثلة لحسن التعاون بين الشعراء والملحنين والمطربين خاصة في فترة الخمسينات :
1- فيما يختص بذلك التجمع الذي دعا اليه الفنانان الكبيران الكبنجي وحقي الشبلي يعاونهما الشاعر عبد المجيد الملا والذي حصلت فيه لقاءات مكثفة ما بين رموز الشعر والادب والموسيقى والغناء كتلك التي جمعت بعضا من تلك الرموز على سطح جمعية الموسيقيين في الحيدرخانة في صيف عام 1951 والذي اكدته صورة التقطت في حينه تمثل اللقاء الاول
2- وكما ذكرت فان بعض المطربين كانوا يستعينون في سلامة النطق ببعض الشعراء فمثلا ان المطرب ناظم الغزالي كان يعتمد اعتمادا كبيرا على اثنين من الشعراء اللذان كانا يعملان في امانة العاصمة وهما الشاعر عبد المجيد الملا والشاعر عبد القدر رشيد الناصري
3-في نهاية الاربعينات كانت مقهى الخراز في محلة جامع عطا في جانب الكرخ ملتقى بعض الشعراء والمطربين وقراء المولد النبوي والمقامات عصر كل يوم خميس وكان من بين اشعراء كل من خضر الطائي وخليل الخشالي وعبد المجيد الملا وجبوري النجار وعبد الصاحب الملائكة وبسيم الذويب وغيرهم اما من قراء المولد النبوي وقراء المقامات فكان منهم عبد المنعم اب السعد وعبد الفتاح معروف وحسن خيوكة ومجيد العاني وآخرين
وفي ذات مرة قال المطرب الكبير انه اتفق مع الموسيقار جميل بشير وفرقته التي كانت مكونة من (منير بشير وخضير السبلي وخضر الياس وحسين عبدالله...الخ) على مرافقته في قراءة وتسجيل بعض المقامات ثم راح يقرأ بعض الابيات الشعرية التي سيبدأ بها بعض مقاماته التي تتطلب مثل هذا النهج ومن جملة تنويعاته قرأ ابعض الابيات التي بدأها بالبيت التالي :

قد علا نظمي ورق الغزل ----- في هوى قوم بقلبي نزلوا

ثم اردف قائلا ان هنالك لغط بين بين بعض الشعراء وقراء المقام حول هذا المطلع اذ يقول البعض ان المعنى لا يستقيم على هذا النحو ، في حين ان البعض الآخر يقول : بل يجب ان يقرأ هكذا لان قراء العشرينات قد قرأوه بهذالنص فما رأيكم؟
هنا رد خضر الطائي قائلا :
هذا المطلع غريب وغير متوازن في تناسقه : اننا نعرفان صفة العلو في طبقة الشعر تصاحب الفحولة والجزالة في الالفاظ وعلى هذا فان الاصح ان تقول( قد حلا) حتى لو كان الشاعر قد كتبها (قد علا)، اذ ان التناسق في المعنى يستوجب تقارب الحلاوة مع الرقة ن هنا ايده في هذا الاتجاه بقية زملائه من الشعراء

اما الشاعر الضابط بسم الذويب فقد اثار موضوعا ىخر حينما قال: ان قول الشاعر في عجز البيت ( في هوى) غير مطابقة لواقع الحال ، اذ يتوجب ان تكون( من هوى) اذ ان رقة الغزل انما جاءت لسبب حدد بموضوع واحد هو ان ( هوى الحبيب قد حل في القلب) فأستدعى الوصف ، فرد عليه عبد المجيد الملا قائلا : كلا انا ارى ان( في هوى ) اصح ، ذلك لان الشاعر لم يرد تبرير سبب حلاوة النظم وانما اراد تقرير الحقيقة المقصودة وهي مختصة في هوى الحبيب ، اذ لو لم يحل في القلب لما كان لها ان تكون بتلك الحلاوة والرقة ولتحولت الى( كلبك صخر جلمود)
مكذا الحال كانت الحال في الماضي سجال ونقاش وحوار بين ارباب القلم واساطين الموسيقى والغناء لهدف نبيل يرمي الى التعاون البناء من اجل ان يكون الغناء في المستوى اللائق بثرائه الباذخ العريق.

التعديل الأخير تم بواسطة : وسام الشالجي بتاريخ 25/08/2010 الساعة 14h25
رد مع اقتباس