عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 24/10/2010, 23h58
الصورة الرمزية أبوإلياس
أبوإلياس أبوإلياس غير متصل  
مشرف منتدى فريد الأطرش
رقم العضوية:165965
 
تاريخ التسجيل: février 2008
الجنسية: مغربية
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,064
افتراضي رد: التحليل الموسيقي لأعمال فريد الأطرش

المقدمة الموسيقية لأغنية بنادى عليك - لحن الخلود
لحن وغناء فريد الأطرش
كلمات مأمون الشناوى
تحليل موسيقى: الدكتور.أسامة عفيفى
منقول من: مدونة كلاسيكيات الموسيقى العربية


أهم وأجمل مافى لحن هذه الأغنية المسماة أيضا بلحن الخلود هو المقدمة الموسيقية ولذلك سنقصر هذا التحليل الموسيقى عليها نظرا لانطوائها على محاولة جادة للأخذ بالشكل العالمى فى صياغة موسيقى عربية.
تتكون المقدمة الموسيقية من ثلاث حركات
الحركة الأولى
زمن الحركة دقيقتان وعشر ثوان
1-افتتاح قوى بقالب سيمفونى التكوين والأداء يؤديه الأوركسترا يبدأ بدقات على نموذج دقات السيمفونية الخامسة الشهيرة لبيتهوفن "القدر" ، ويعتمد على جمل ميلودية شرقية الطابع تذكرنا بألحان سيمفونية شهرزاد لكورساكوف.
2- التكوين الأوركسترالى: تكوين سيمفونى كامل وهو تكوين غربى تقليدى للموسيقى الكلاسيكية لا تستخدم فيه الآلات الشرقية
3- الجمل الحوارية: تجرى عدة حوارات موسيقية فى الحركة الأولى :
- حوار سريع بين الآلات النحاسية والوتريات وآلة التيمبانى الإيقاعية يختتمبسولو هادئ لمجموعة الشللو تمهيدا للمقطع الثانى فى جملة ترتكز على الدرجة الخامسة للمقام
- حوار بطئ بين مجموعات آلات منفردة هى الفلوت ومجموعة الأبوا ومجموعة الساكسفون ينتهى على أساس المقام
- حوار سريع بين الأوركسترا ومجموعات الآلات النحاسية الترومبون والكورنوتنهيه ردود من مجموعات الساكسفون والأبوا والشللو تتدرج فى الهدوء حتىتتوقف الموسيقى تماما على الدرجة الخامسة الدنيا للمقام
اختار فريد أن يبدأ بداية قوية سريعة بكامل الأوركسترا ثم تبعها بجمل ميلودية هادئة أصبحت أكثر هدوءا بدخول سولو الفلوت وحوار الآلات المنفردة لكنه أعاد لحنا لفلوت باستخدام الأوركسترا الكامل بطريقة أسرع ثم استخدمت ردود من مجموعات الترومبون والكورنو لتكملة الحوار الموسيقى
وإذا قارننا هذاالأسلوب بما هو متبع فى القالب السيمفونى العالمى نجد المؤلف قد اختار أحد نوعين من البدابات السيمفونية وهو البداية القوية التى تهدأ بعد حين وفضل ذلك على الأسلوب الثانى وهو البداية الهادئة التى تتصاعد لتصل إلى ذروة اللحن ، وربما كان ذلك بسبب أن اللحن أصلا موضوع لأغنية وإذاَ فلابد للتمهيد للغناء بهدوء الموسيقى عند النهاية
لكن فريد لم يستطع الفكاك من الختام القوى التقليدى للقالب السيمفونى فقد خانته النهاية واستسلم تماما لوضع ذروة اللحن فى نهاية الحركة الثالثة كما سنرى لاحقا
الحركة الثانية
زمن الحركة دقيقة واحدة ، زمن لحن الحركة الأساسى هو ربع دقيقة تقريبا ، معاد ثلاث مرات
الحركة شرقية بحتة من حيث اللحن والمقام والإيقاع والآلات والأداء
1- اللحن: لحن شرقى راقص ينقلنا فى مفاجأة تامة إلى نغمات شرقية تماما بأداء يقرب إلى أداء التخت ، وبالفعل تسكت الموسيقى الأوركسترالية لحين التمهيد لعودتها مرة أخرى فى الحركة الثالثة
2- المقام: تتوالى الجمل الرئيسيةعلى مقام الحجاز الشرقى التقليدى بما فيه من استخدام ربع التون ، ومقام الحجاز هنا ليس فى مكانه الأصلى ولذلك يسمى حجاز مصور على الحسينى أى على درجة لا ، وهو اشتقاق طبيعى من المقام الرئيسى يرتكز على الدرجة الخامسة له
3- الإيقاع: إيقاع شرقى راقص على الوحدة الصغيرة وباستخدام آلات إيقاع شرقية
4- الآلات: تستخدم القانون والناى والرق مع خلفية تؤديها الوتريات بأنواعها
5- الأداء: يلاحظ التركيز على وضوح صوت أوتار القانون بشرقيتها العارمة ،وتركت للعازف الحرية التامة فى استخدام تكنيك الأصابع الشرقى ، كما يلاحظ فصل الإيقاع الشرقى عن إيقاع الأوركسترا والاعتماد عليه لإظهار الطابع الراقص الخفيف
الجملة التمهيدية للحركة الثانية الراقصة وردت نسخة منها موسيقى وغناء فى لحن فريد "ياجميل ياجميل" بعدها بثلاث سنوات فى المقطع "تشغلنى وتحيرنى .. مالقاش اللى يصبرنى" ، الجملتان متطابقتان تقريبا لحنا وزمنا وإيقاعا ولا أحد يدرى لماذا كرر فريد هذه الجملة المميزة فى لحنين مختلفين!
الحركة الثالثة
زمن الحركة دقيقة وربع
من المؤكد أن الانتقال إلى الحركة الثالثة كان معضلة واجهت المؤلف عند وضع هذه الموسيقى فهو أمام خيارين :
- أولهما الاكتفاء بالحركتين الأولى والثانية ، وفى هذه الحالة سيفقد الترابط بين الحركتين وستبدو الموسيقى كأنها قطعتان منفصلتان بلا بناء درامى
- ثانيهما العودة إلى الأداء السيمفونى للوصول إلى ذروة ختامية سيمفونية للتواصل مع البداية السيمفونية من ناحية ولخلق بناء درامى يربط الموسيقى كلها من ناحية أخرى ، وللعودة إلى المقام الرئيسى الذى بدأ به اللحن والذى سيبدأ به الغناء أيضا ، لكن هذه معضلة أخرى ، إذ أن الإشكال كان فى كيفية العودة ثم فى كيفية الانتهاء
ولنبحث الآن كيف استطاع فريد التغلب على هذه العقبات مع المحافظة فى الوقت نفسه على جمال الموسيقى بدون تصنع أو "لف ودوران"
1- العودة إلى المقام الرئيسى : هذا كان أسهل ما فى الأمر ، إذ أنه يستطيع ذلك بجملة قصيرة تخرج به من مقام الحجاز المصور إلى مقام رى مينير القريب ،ولا يكلفه ذلك أكثر من النزول خمس درجات للاستقرار دون تغيير أى نغمة فى السلم
2- العودة للأداء السيمفونى من أداء التخت الشرقى: هنا أيضا كان المؤلف أمام اختيارين، إما أن يعيد الحركة الأولى كما هى ، وإما أن يضع حركة جديدة دون أن يظهر كمن يقوم بالقص واللصق إذ أنه من السهل وضع حركة جديدة ولكن الأصعب ربطها بانسجام مع سابقتيها
توصل فريد إلى حل بارع لهذا الإشكال الذى فرضه على نفسه باختياره أصلا لقالب غير شرقى طموحا منه إلى مجاراة الموسيقى العالمية ، فقد اهتدى إلى توظيف إيقاع جديد هو الفالس للحركة الثالثة ، والحقيقة إن الفالس كما هو إيقاع غربى شائع فى الموسيقى العالمية فهو إيقاع شرقى قديم ، ولهذا عندما يقلب الإيقاع إليه يتم قبوله بسهولة فى الحالتين
وهكذا ، وببراعة تامة ، أنهى فريد جملة الحجازالشرقية بالدخول مع آخر نغمة فى فالس سريع ينتبه إليه بقية الأوركسترا فورا حيث سيعمل الآن فى وسط ملائم ، فقد تغير المقام إلى المينير وهو مستعمل فى الشرق والغرب ، وتغير الإيقاع إلى الفالس وهو شرقى وغربى
بقى أن تصاغ جملة لحنية مميزة تساهم فى خلق ذروة النهاية ، وفعلا نجح فريد فى ذلك بلوتم له صياغة اللحن هنا على نفس اللحن الذى ستغنى به الكلمات داخل الأغنية وعلى عنوان الأغنية نفسه "بنادى عليك" فى حواره مع الكورس ، وهذا من شأنه ربط الغناء بالمقدمة الموسيقية التى ربما ينساها السامع مع الاستطراد فى الغناء
أكمل فريد الصورة بإشراك الكورس ، وخيرا فعل ، مع الأوركسترافأداء الجملة الأخيرة فى صورة آهات حوارية بين الأصوات الرجالية والأصوات النسائية ثم اشتراك المجموعة فى حركات سلمية سريعة متتابعة يوحى بقرب الوصول إلى نهاية الحركة
ولعلنا نلاحظ هنا أداء الكورس العالى ، هذه الأصوات لم تجمع من فراغ وإنما كلهم دارسون للموسيقى ويعلمون ما المطلوب منهم ويعلمون أيضا كيفيات الأداء الجماعى بينهم ومع الأوركسترا ، نلاحظ أيضا قوة أصوات الكورس ووضوحها وانسجامها التام فيما بينها من ناحية الطبقات الصوتية وطريقة الأداء فهى تغنى وكأنها صوت واحد ، هذا الأداء العالى للكورس كان سمة من سمات تلك الفترة فقد استخدمه عبد الوهاب والقصبجى ورياض السنباطى والموجى وكمال الطويل ومحمود الشريف بنجاح تام ، هذا الأداء لم يعد متوفرا الآن.
فيم نجح فريد؟
دعونا نتساءل هل نجح فريد بعد كل هذا الجهد فى التوفيق بين الشكل العالمى والشكل الشرقى للموسيقى؟ وهل نجح فى تطبيق الشكل الجديد أو الصيغة التوافقية الجديدة على الغناء؟
للإجابة على ذلك نعود إلى سماع نهاية المقدمة ثم الأغنية نفسها فنلاحظ عدة ملاحظات :
1- أن فريد نفسه قد أنهى هذه المقدمة الخيالية على المسرح وبدأ الحديث للجمهور كأنه انتهى من شيء وسيدخل فى شيء آخر ، وهذه يعيدنا إلى ما ذكرناه فى أول هذا التحليل ، د.أسامة عفيفى ، حول وجود معضلة موسيقية هى حتمية الاختيار عند صياغة نهاية المقدمة المؤلفة على الشكل السيمفونى بين النهاية التقليدية القوية للسيمفونيات أو جملة الختام التى ستنتزع التصفيق من الجمهور وبين التمهيد للغناء الرقيق الذى ستبدأ به الأغنية وهو ما لايتماشى مع القالب السيمفونى ، الواقع أن فريد قد استسلم للاختيار الأول تماما بل وجرؤ على إعلان انتهاء الموسيقى قبل الشروع فى الغناء كما جاء فى الفيلم السينمائى
2- السياق الغنائى للأغنية فيما عدا الآهات ولحن الفالس المتكرر ، بدا فى جو تقليدى مختلف تماما عما كانت عليه موسيقى المقدمة ، ولا مكان هنا لتصور إمكانية إشراك الأوركسترا السيمفونى بكامل إمكانياته فى أى شيء أثناء غناء فريد ، والواقع أن الأوركسترا ظل صامتا إلى قبل نهاية الأغنية بخمس ثوان ليعلن نهاية اللحن
3- لم يكرر فريد هذه التجربة رغم أكثر من 30 فيلم ومئات الألحان ، وليته فعل بل وليته أكثرمنها بشكل أو بآخر فهى تجربة ، وإن استغرقت بضع دقائق ، غنية بإمكانيات كبيرة وبجماليات عالية من المؤكد أنها تساهم فى الارتقاء بالذوق العام وتقرب لنا أشكالا من الموسيقى العالمية لم تتعودها الأذن العربية
لكن لماذا لم يكرر فريد التجربة؟
الإجابة باختصار تكمن فى أن التلحين شيء وتأليف الموسيقى البحتة شيء آخر ، وفريدقدم نفسه للجمهور كملحن وليس صانع موسيقى بالدرجة الأولى ، ولو أنه اختارأن يستمر فى التأليف الموسيقى لربما سمعنا منه أشياء جميلة ومتقنة الصنع كهذه المقدمة ولكن إصراره على تقديم نفسه كمطرب أيضا ، وفى نفس العمل ،اضطره إلى الاتكاء على الطرب الشرقى الخالص كمدخل للجمهور الذى يعشق الطرب وينتظره ، وهذا بالطبع يجره جرا إلى صياغة ألحانه على الطريقة التقليدية المونوفونية ، وانضمامه إلى قائمة المطربين لم يكن لأن أحدا دفعه إلى ذلك بل لهوى شديد فى نفسه.
قد يقول قائل إن عبد الوهاب قد فعل مثل ذلك ،ونقول إن عبد الوهاب ، دون الدخول فى أى مقارنة بين صوته وصوت فريد ، كان أيضا يعشق الغناء والطرب وقد أخطأ نفس الخطأ وانجرف بشدة نحو الغناء الفردى حتى عندما تقدم به السن ، وذلك رغم أن مساهمات عبد الوهاب فى الموسيقى البحتة أكثر بكثير من مساهمات فريد وأغزر منها تجربة
نضيف إلى ذلك أنه تقليديا وأكاديميا لا توجد علاقة بين الغناء الفردى التقليدى أو الشعبى ،أى الأغنية الفردية ، والموسيقى الكلاسيكية السيمفونية ، حتى فى جمهوره مافيما عدا قلة من المستمعين تستمع بنفس الدرجة من الحماس للنوعين ، ولم يكن من المتصور قبل تقديم فريد لها القالب أن يتم دمج النموذجين معا فى عمل واحد ، وكما قلنا فهى تجربة لم يكررها فريد نفسه ولم يقدم عليها فنان آخر ،وهناك فرق بين أداء لحن أو توزيعه ليتم أداؤه بالأوركسترا الكامل كما حدث لكثير من الألحان الشرقية ، وبين وضع موسيقى بحتة فى القوالب الكلاسيكية العالمية مثل الكونشرتو أو السيمفونية أو غير ذلك ، والحقيقة أنه لا يمكنتصنيف مقدمة لحن الخلود تحت أى من القوالب العالمية المعروفة ، ولذلك انتمتالمقدمة إلى الأغنية وظلت تعرف باسمها
4- يتضح لنا عند سماع الموسيقى العربية التى لا تستخدم ربع الدرجة أو ربع التون أنها لا تختلف عن الموسيقى العالمية فى شيء من ناحية الصياغة اللحنية ، لكنا فقط نستطيع تذوق الموسيقى الأساسية وتبقى الصياغة التكنيكية أو التوزيع والهارمونى شيئا جديدا دائما ، وفى هذه المقدمة نجح فريد فى وضع جمل لحنية مؤثرة عاطفيا فى المستمع العربى واستخدم فى أدائها أعلى الإمكانيات التى يمكن أن تتوافر لها ، لكنه لم يستطع فعل شيء مع بقية لحن الغنوة التقليدى الذى استخدم فيه مقامات الراست والبياتى الشرقية ، والتى لم توضع لها قواعد هارمونية حتى الآن ، ولا مع الأداء الشرقى الخاص للمقاطع الغنائية الذى تشابه فى بعض أجزائه مع قالب الموال ، والمفارقة أنه لم يستطع فصلهما أيضا وتقديم كل منهما كعمل مستقل ، وربما لو فعل لكان اختيارا أفضل ، ورغم ذلك فقد نال شرف المحاولة على أى حال.
5-هناك بعض الأغانى الشرقية ،لفريد وغير فريد ، اشتهرت بمقدماتها الموسيقية الموزعة أوركستراليا ، وكثيرمنها جاء بنفس الفصل الحاد بين المقدمة كموسيقى واللحن الغنائى ، مثلما فى أغنية عاشق الروح وغيرها لعبد الوهاب ، لكن لم يظهر فى أى منها هذا الأداء الأشد قربا للشكل السيمفونى وبقيت ينظر لها على أنها موسيقى شرقية موزعة على أكثر تقدير ، ولاختبار ذلك هناك تجربة بسيطة هى تجربة أداء الموسيقى على آلة واحدة فإن أمكن عزفها بالكامل فهى موسيقى غنائية ، وإن لم يمكن فهىموسيقى قد وضعت أساسا للأوركسترا
ولو فتشنا فى تلك الفترة سنجد نماذج تتقارب مع النموذج الذى حاول تقديمه فريد فى لحن الخلود ، فقد شاع فيها استخدام الأوركسترا الكامل ، وهناك أمثلة لاستخدام أصوات الكورس النسائية فى مجموعات كبيرة على إيقاع الفالس الشبيه بفالس النمسا الأوربى فى أغنيات غنتها ليلى مراد مثل قلبى دليلى للقصبجى وحبيب الروح للسنباطى ،وسنجد أيضا استخدام الآهات بأصوات الكورس الرجالى فى عاشق الروح لعبدالوهاب وغيرها أمثلة كثيرة ، ولا بد أن فريد حاول إخراج أفضل ما لديه فى ظل هذه المنافسة القوية ، كانت فترة بلا شك غنية بالتجارب والابتكارات المميزة واتسمت بإصرار الفنانين على تحقيق تقدم ما وتقديم موسيقى متطورة وأداء أفضل .


رد مع اقتباس