عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 04/04/2006, 05h33
Shiraz Shiraz غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:18
 
تاريخ التسجيل: octobre 2005
الجنسية: لبنانية
الإقامة: لبنان
المشاركات: 13
افتراضي وُلِد مع الثورة

وُلِد مع الثورة

هل كان من حظ عبد الحليم حافظ أن ولادته الفنية كانت مع ولادة ثورة 23 "يوليو" تموز التي أطاحت بالنظام الملكي، وغيّرت من تركيبة المجتمع المصري، وبدّلت كل الوجوه التي كانت تتصدّر الواجهة في كل المجالات؟
ليس لأحد أن ينفي أن مصادفة ولادة عبد الحليم الفنية مع ولادة الثورة كان خيراً وبركة عليه، لأنه ظلّ في البدء يعاني من عدم إصغاء الناس إلى اللون الجديد الذي يغنيه، ولم يستطع أن يصل إلى الأسماع إلاّ عبر الحفلات الكبيرة التي أقامتها الهيئات الاعلامية للثورة في حديقة الأندلس.
لقد كان من أكبر ضربات الذكاء للقائمين على الاعلام الثوري في ذلك الحين "أي في عامي 1953 و1954" ان فتحوا حديقة الأندلس الكبيرة للجموع الشعبية لتدخل إليها مجاناً وتشاهد فيها أكبر نجوم الفن وتستمع إليهم، وكان القصد من هذه الحفلات أن يشعر الشعب الكادح والفقير والعامل بأن ثورة الثالث والعشرين من تموز "يوليو" هي ثورته بالفعل، وان هدفها أن توفّر له الرخاء بعد الحرمان، والكرامة بعد الإذلال، والحرية بعد العبودية، وكانت هذه الحفلات تعني بالنسبة للشعب أنه حتى الفن، الذي كان أداة ترف للأغنياء فقط، قد بات في متناول الشعب كله.. ومجاناً.
وأذكر أنني سمعت أحد ضبّاط الشؤون العامة للقوات المسلحة، وقد كان أحد المكلّفين بأعداد حفلات حديقة "الأندلس" وهو يقول ذات يوم:
*نريد وجوهاً جديدة في هذه الحفلات تخرج من قلب الشعب، والاّ فما معنى أن يكون فنانو عهد الثورة هم نفس فناني عهد العبودية والباشوات.
بطبيعة الحال، فإن الثورة لم تقدر على إزالة العروش الفنية التي كانت قائمة، ولكن ليس معنى هذا انها لم تقدر على فتح الأبواب أمام الوجوه الجديدة وإعطائها الفرصة لتظهر وتتألق.
وعبد الحليم حافظ كان من الفنانين الجدد الذين أرادت الثورة أن تحتضنهم وتصنع لهم رصيداً شعبياً، لأن نجاحه يرمز إلى "التغيير" وإلى أنه قد بات للثورة فنانوها ونجومها.
وهكذا فإن عبد الحليم حافظ الذي رفض الجمهور أن يستمع إليه عندما غنّى في الاسكندرية، وجد نفسه أمام جمهور كبير يصفّق له، ويرحّب به، عندما ظهر بقوامه النحيل على مسرح حديقة "الأندلس" وربما كان السبب في سرعة قبول الجمهور له يومئذٍ، وعدم قسوته عليه، هو أن هذا الجمهور قد دخل إلى الحفلة مجاناً، إذاً، فلم يعد من حقه أن يرفض أحداً، أو ربما يكون الجمهور قد اعتبر أن هذا الفنان هو "فنان الثورة" وما دام الشعب قد أيّد الثورة فلا بدّ له من أن يغدق الحب والتصفيق على فنانيها أيضاً..
وأقول أن عبد الحليم حافظ كان في تلك الفترة في حياته محظوظاً وذكياً.
محظوظاً لأن الثورة جعلت منه رمزاً للتغيير في العالم الفني، بل انه قبل أن يظهر لأول مرة على مسرح "الأندلس" بدقائق، أعلنت الثورة انهاء النظام الملكي وإلغاء مجلس الوصاية، وقيام النظام الجمهوري، وهكذا امتزجت فرحة الجماهير بالخبر المثير، عند تصفيقها للمطرب الجديد.
أما ذكاء عبد الحليم فكان يبدو في مبادرته بسرعة إلى تأكيد التصاقه بالثورة، وأبوتها له، ومن هنا فإنه سرعان ما تحوّل إلى مطرب سياسي، وصار يتحيّن كل مناسبة ليطلق أغنية وطنية، ولكن بأسلوب عاطفي، وليس بأسلوب المارشات العسكرية التي كان طابعها يغلب على كل الأغنيات الوطنية فيما قبل الثورة.
ولقد بلغ عبد الحليم حافظ ذروة الذكاء في عام 1955 يوم تأميم قناة السويس، فإذا بالفتى الأسمر الذي كان ما زال يسير أولى خطواته في دنيا الشهرة، يبادر إلى اعداد أغنية "حكاية شعب" التي روى فيها بالكلمة والغناء قصة السد العالي بالأسلوب البسيط الذي يفهمه كل الناس، وذاعت هذه الأغنية وانتشرت، وأصبحت تذاع أكثر من مرة، لا من إذاعات القاهرة فقط، بل من جميع الإذاعات العربية التي كانت حكوماتها تؤيد التأميم وتوالي الثورة المصرية، وليس من قبيل المبالغة أن أقول بأن هذه الأغنية كانت الجسر الذي ربط بين عبد الحليم حافظ وبين الجماهير العربية، وانها كانت من عوامل انطلاقة شهرته وتردّد اسمه في كل مكان، لدرجة أن كلمة "اخواني.." التي يبدأ بها الأغنية تحوّلت إلى ما يشبه الشعار الوطني على ألسنة الجماهير.
وبالرغم من أن عبد الحليم حافظ كان قد بدأ في إطلاق العديد من أغانيه العاطفية، وفي تمثيل الأفلام السينمائية الا أنه ظلّ حريصاً على أن يُسمع الجماهير بين الحين والآخر الأغنيات الوطنية التي كانت تحقّق نجاحاً مثل الأغاني العاطفية، ومنها على سبيل المثال: "يا أهلاً بالمعارك" و"بالأحضان" و"احنا الشعب".
رد مع اقتباس