عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16/03/2012, 22h56
الصورة الرمزية أحمد الجوادي
أحمد الجوادي أحمد الجوادي غير متصل  
رحمة الله عليه
رقم العضوية:625469
 
تاريخ التسجيل: février 2012
الجنسية: عربي
الإقامة: السويد
العمر: 72
المشاركات: 695
افتراضي ذكرياتي في المرات الأربعة التي عزفت فيها مع موسيقار الأجيال/ أحمد الجوادي

الأساتذة الكرام في منتدى سماعي الجميل

لقد كان لي الفخر أنني عزفت مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب أربع مرات حينما كنت طالبا في معهد الكونسيرفتوار بالقاهرة، وكان ذلك في السبعينات من القرن المنصرم.

شخصيا أنا أعتبر أن مشاركاتي هذه مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب لا تقل أهمية أبداً من الشهادة التي حصلت عليها من كونسيرفتوار القاهرة، ومعروف ما هو مستوى كونسيرفتوار القاهرة في كل الدول العربية. مشاركاتي مع موسيقار الأجيال هي بمثابة وسام وتاج أضعه فوق رأسي باستمرار.

أحببتُ أن أروي لكم بعضاً مما أستطيع تذكره في هذه المشاركات، وقسم من هذه المعلومات كان قد أخبرني بها أصدقائي العازفين المصريين الأقدم مني والذين كانوا قد سبقوني بالعزف مع موسيقار الأجيال.

كانت مشاركاتي مع موسيقار الأجيال هي أنني كنت عازفا ضمن أوركسترا كبير يعزف أعماله. أذكر آخرها كان نشيد اسمه "مصر السادات" وكان ذلك في العام 1977. كانت حينها أوركسترا كبيرة تعزف وكان هناك كورال كبير أيضا ومن خيرة الأصوات في مصر. كنا نحن "الأوركسترا والكورال" نجلس جميعنا في الاستوديو، وهو استوديو واسع، وكان موسيقار الأجيال يجلس في داخل الكونترول في الاستوديو، ويفصل بيننا نافذة زجاجية كبيرة، وكان مخرج الصوت حينها المهندس الكبير الأستاذ زكريا.
كنا نسجل جميع تلك ألأعمال في ستوديوهات مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري.
كانت الأوركسترا مكونة من عازفين منتخبين من أوركسترا القاهرة السيمفوني، الكثيرين منهم من الأجانب "خواجات" ونخبة من الأساتذة من معهد كونسيرفتوار القاهرة ونخبة من الطلاب المتقدمين من كونسيرفتوار القاهرة أيضا "كنت أنا أحدهم".

وسوسة موسيقار الأجيال تسببت في سقوطي أرضاً:

في أحد التسجيلات أتيت متأخرا لبضعة دقائق، كنت أحمل كماني تحت إبطي وكنت أركض لأنني لا أحب أن أكون متأخراً أبداً، كان سبب تأخيري هو المواصلات والازدحام. كان علي أن أصعد عدة درجات في المبنى لكي استقل المصعد ومن ثم الاستوديو.
من شدة سرعتي ومن الركض وأنا أصعد درجات السلم في طريقي للمصعد تزحلقت وسقطت أرضا، كانت سقطة مؤلمة حقا، لا أعلم لحد الآن كيف أنني خرجت سالما من تلك السقطة بدون أي كسور، بل حتى كماني هي الاخرى خرجت سالمة بدون أي كسر.
حينما وصلت إلى الاستوديو وجلست في المكان المخصص لي مع الأوركسترا، أخبرت صديقي الذي كان يجلس إلى جانبي بأنني تزحلقت وأنا في مدخل المبنى وسقطت أرضا. فقال لي: حينما يأتي موسيقار الأجيال إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون، كانت تحصل حالة تشبه حالة النفير العام داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون، وحالة تأهب كبيرة جدا، هذا التأهب والاستعداد يكون أكبر من لو أن رئيس الجمهورية نفسه سوف يأتي. وأردف صديقي قائلا: هم ينظفون المبنى تنظيفا زائدا عن اللزوم "بسبب وسوسة موسيقار الأجيال" ويغسلون الأرض بالصابون. حينها فهمت وبعد أن روى لي صديقي أن سبب زحلقتي وسقوطي هو الصابون الذي على الأرض. كان أصدقائي "الأقدم مني" يقولون لي بأن موسيقار الأجيال لو شاهد ذبابة في الاستوديو فهو لن يدخل الاستوديو.

حضور موسيقار الأجيال التسجيل:
يكون موسيقار الأجيال حاضرا مع الأوركسترا لكنه كان يجلس عادة داخل الكونترول. كان وكعادته في بدلته الأنيقة للغاية وفي منتهى الشياكة. كان يدخل علينا بين الفينة والأخرى لكي يقول لنا بعض ملاحظاته، حيث كان يغني الجزء المطلوب بطريقة الصولفيج، أي أنه لم يكن يغني المكان المطلوب بالكلمات، بل بالأحرف الموسيقية "دو، ري، مي، إلخ".

كان يقودنا في ذلك الوقت موزع العمل والذي كان مايسترو شعبان أبو السعد. مايسترو شعبان كان عازف قدير على آلة الهورن الفرنسي أو الكورنو "على ما أذكر" وكان أحد أفضل قادة الأوركسترا المصريين وكان قائدا لأوركسترا القاهرة السيمفوني. مايسترو شعبان هو الذي كان يوزع أعمال موسيقار الأجيال حينها.
حينما كان يدخل موسيقار الأجيال علينا إلى داخل الاستوديو كان هناك شخصا يرافقه، كان هذا الشخص هو من يفتح الباب له، أي أن موسيقار الأجيال لم يكن يلمس "أكرة" الباب، لا أخفيكم بأنني لم أنتبه لهذا لكن زميلي هو الذي نبهني لذلك.

وسوسة موسيقار الأجيال في موسيقاه:
كانت التسجيلات في تلك الفترة هي أن تخصص لكل فرقة تدخل الاستوديو ساعتين للتسجيل فقط، لكن مع موسيقار الأجيال فقد كان الأمر مختلفا، حيث أن الوقت يكون مفتوحا له كما يشاء.
كنا معتادين حينما كنا نذهب إلى الاستوديو لكي نسجل أغنية مع أي من الملحنين غيره أن نكون هناك في الوقت بالضبط، وكنا نعرف بأن علينا أن ننجز الأغنية في غضون الساعتين ونخرج، وكان الملحن "أو المغني" يأخذ تسجيلا واحدا فقط، أي ما يسمونه "تيك" وهي كلمة مأخوذة من "Take"، أي تراكاً واحدا كاملاً للعمل كله، كان ممكن أن تحصل هفوات صغيرة جدا "في أحيان نادرة" لا يمكن أن ينتبه لها أحد وكان مهندس الصوت "البارع" يعالجها "إن حصلت".
كان بعض الملحنين حينها يقبلون بأن يحصل تقطيع في العمل، أي مونتاج في وسط الأغنية بين كوبليه وآخر، أي أن الفرقة تسجل الأغنية على قسمين أو أكثر ويقوم مهندس الصوت بربطها.
لكن مع موسيقار الأجيال فقد كان الأمر مختلفا تماما، كان موسيقار الأجيال يدقق إلى أبعد حدود التصور في العمل، ولا يقبل بأن يأخذ "تيك" إلا لو كان هذا "التيك" 100% وهذه ال 100% هي في نظر محمد عبد الوهاب وليس في نظر غيره، أي أن أي موسيقي غيره حينما يعتبر العمل 100% يكون بالنسبة لموسيقار الأجيال ربما 70%.
لم يكن موسيقار الأجيال يقبل أن يغادر الاستوديو إلا وقد حصل على إثنين "تيك" أي تسجيلين كاملين كلا منهما بدرجة 100%، أي 100% (وهابية)، وهو لم يكن يقبل بأي مونتاج. ما معناه أن الأوركسترا يجب أن تعزف من الألف إلى الياء بدون أي هفوة من أي عازف، وبعد ذلك تعيد الكرة مرة أخرى.
بعد أن يفرغ الجميع من التسجيل كان موسيقار الأجيال يذهب للبيت مصطحبا معه التسجيلين أو الإثنين "تيك" ويستمع للتسجيلين بدقة متناهية ولمرات عديدة إلى أن يقرر أيا من النسختين التي سوف تذاع في اليوم التالي.

الزمن المستغرق لتسجيل أغنية مع موسيقار الأجيال:
بالنسبة للوقت الذي يستغرقه التسجيل مع موسيقار الأجيال، فحدث ولا حرج. كان الكثير من الموسيقيين يعطون أكثر من موعد في نفس اليوم لكي يقوموا بالتسجيل مع أكثر من ملحن أو مغني أو فرقة، لكن حينما يكون التسجيل مع موسيقار الأجيال فالجميع يعرفون أنه لا وجود لوقت محدد في هذا التسجيل. حيث أن التسجيل الذي يستغرق مع ملحن آخر ساعتين، كان مع موسيقار الأجيال ممكن أن يستغرق أي وقت كان، سبعة ساعات أو ثمانية، أو أي وقت، لا أحد يستطيع التكهن.

تسجيل بغياب موسيقار الأجيال:
ذات مرة كان لدينا تسجيل مع موسيقار الأجيال، ذهبنا كعادتنا للاستوديو، لكننا فوجئنا بأن موسيقار الأجيال لم يكن موجوداً، عرفنا بأنه كان مريضا، تصورنا بأن التسجيل في ذلك اليوم سيمر بسرعة أكبر، لكن موسيقار الأجيال لم يتركنا، بل كان معنا على التلفون الذي في داخل الكونترول، ساعة بساعة، دقيقة بدقيقة، ثانية بثانية، وكان بنفس الدقة وكأنه كان حاظرا معنا.

دفع أجور العازفين:
كنا في ذلك الوقت نستلم أجور العزف بعد إنتهاء التسجيل مباشرة، حيث كان يوجد شخص يعمل كمحاسب للفرقة يعطي لكل عازف أجره. لكن مع موسيقار الأجيال لم يكن هناك أي محاسب، حيث كان علينا أن ننتظر لفترة قد تطول لكي نستلم أجورنا. أذكر إحدى المرات أنه طلب منا أن نذهب إلى مبنى جريدة الأهرام لكي نستلم أجورنا من هناك، وكان ذلك بعد شهر تقريبا من تسجيلنا للعمل، لكن أحدا من لم يكن ليضجر، بل الجميع سعداء لأننا قد عزفنا مع موسيقار الأجيال، حتى الأجانب "الخواجات" كانوا سعداء بالعزف مع محمد عبد الوهاب.

تصرفين ندمت عليهما طوال حياتي:
في التسجيل الأخير لي مع موسيقار الأجيال، كان الدكتور حسن شرارة يجلس الأول في الخط الأول وكنت أنا أجلس إلى خلفه مباشرة، وكان موسيقار الأجيال يدخل للاستوديو بين الحين والآخر. التلفت لي الدكتور حسن وقال لي: ياحمد، قوم وخد صورة مع محمد عبد الوهاب، الفرصة دي مش هاتتكرر كل يوم، دا انت هاترجع العراق ومعاك صورة مع محمد عبد الوهاب. كان المصور يرافق موسيقار الأجال. وأردف دكتور حسن قائلا: أنا هاقوم معاك عشان أعرفك بمحمد عبد الوهاب. أصابني الخجل ولم أذهب لكي أتصور مع موسيقار الأجيال، وهذه هي أحدى أشد اللحظات التي ندمت عليها في حياتي على تصرفي هذا.

التصرف الآخر الذي ندمت عليه طيلة حياتي، كان ذلك حينما أبلغني دكتور حسن شرارة بأن دكتور رضا رجب والأستاذ الحاج سعد محمد حسن قد اختاراني لكي أكون من ضمن فرقة عبد الحليم حافظ في أغنيته الأخيرة، حينها تضارب موعد حفلة عبد الحليم مع قرب موعد امتحان تخرجي على الكمان، لا أخفي بأن برنامج امتحاني كان صعبا للغاية، حيث أنني وقفت أمام اللجنة أعزف أعمالا غاية في الصعوبة لمدة تقرب من الساعة والنصف، وهذا ما يتطلب تمرين يومي شاق للغاية. وهذا السبب الذي دفعني أن لا أشارك مع العندليب لأنني أعرف بأن عبد الحليم حافظ يحب إجراء بروفات كثيرة جدا. قلت في نفسي: المرة الجاية إنشاء الله هاشارك مع عبد الحليم حافظ. لكن العندليب رحل ولم تكن هناك مرة جاية.

للأمانة وللتأريخ يجب أن أقول:
حينما كنت طالبا في القاهرة كنت أعمل مع العديد من الفرق المصرية، الشرقية وغير الشرقية، لم أحس في أي يوم ولم يحسسني أي موسيقي أو صديق مصري بأنني لست مصرياً أبداً، بل كنت أحس في داخلي بأنني مصري، وكنت أجيد اللهجة المصرية إجادة تامة، وكان أصدقائي يسمونني "أحمد العراقي" وكان هذا هو اسمي الشائع، ولم يكن يعرف الكثير من أصدقائي "من غير الكونسيرفتوار" بأنني لست مصريا، لدرجة أنني كنت أسير ذات مرة مع أحد أصدقائي "ليس من الكونسيرفتوار" وحينما كنا نتكلم وبالصدفة اكتشف بأنني لست مصريا، وقال لي: إذا إسمك أحمد العراقي هو بسبب أنك عراقي!؟ فقلت له: نعم، وهذا ليس اسمي الحقيقي.
لم أكن أحس أنني لست مصريا أبداً لدرجة أنني سافرت مع أوركسترا معهد كونسيرفتوار القاهرة إلى ثلاث دول في مهرجانات موسيقية مهمة: ألمانيا، وإيطاليا، ويوغسلافيا. ومع فرقة التخت العربي للموشحات والأدوار القديمة بقيادة المايسترو يسري قطر إلى تونس في مهرجان قرطاج.
مرة واحدة أحسست بأنني عراقي وكان ذلك حينما سافرنا إلى يوغسلافيا، حيث كان على كل مصري أن يحصل على فيزا إلا أنا لأنني عراقي ولا أحتاج إلى فيزا لدخول يوغسلافيا في ذلك الوقت.

هتين صورتين مع أوركسترا كونسيرفتوار القاهرة في رحلتين لنا.





ومع أساتذتي في مهرجان قرطاج في تونس، الحمامات



فرقة التخت العربية



أتمنى أن لا أكون قد أطلت عليكم بدردشتي معكم.

خالص المحبة والاحترام

أحمد الجوادي
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Ahmad Old Music Germany 1976 006 11.jpg‏ (60.6 كيلوبايت, المشاهدات 342)
نوع الملف: jpg Ahmad Old Music Yoguslavia 1976 011 22.jpg‏ (75.1 كيلوبايت, المشاهدات 282)
نوع الملف: jpg Ahmad Old Music Takht Cairo 002 Marking.jpg‏ (59.9 كيلوبايت, المشاهدات 551)
نوع الملف: jpg Ahmad Old Music Tunis Takhet 1977 021.jpg‏ (61.8 كيلوبايت, المشاهدات 278)

التعديل الأخير تم بواسطة : أحمد الجوادي بتاريخ 17/03/2012 الساعة 00h50
رد مع اقتباس