الموضوع: بلاوي الهواري
عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 28/04/2010, 21h48
الصورة الرمزية بلخياطي
بلخياطي بلخياطي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:440633
 
تاريخ التسجيل: juin 2009
الجنسية: جزائرية
الإقامة: ولاية الشلف
العمر: 39
المشاركات: 666
افتراضي لم أعتزل الفن.. والشاب خالد رد الاعتبار للأغنية الوهرانية

شيخ الأغنية الوهرانية بلاوي هواري
لم أعتزل الفن.. والشاب خالد رد الاعتبار للأغنية الوهرانية

ملامح وقار على محيا الشيخ بلاوي هواري.. يتحدث بصوت خافت.. رزين وهادئ.. يبتسم حينا ويتيه في ترديد بعض الأغاني القديمة حينا آخر.. يصمت قليلا، يحدّق في ملامحنا، يرفع نظراته إلى الأعلى وينخرط مباشرة في حكاية ''عمر''.. حكاية تجربة تناهز القرن، من مسار أغنية صنعت خصوصية البلد تسمى ''الأغنية الوهرانية''..
صار الشيخ بلاوي هواري يشكل اليوم الحلقة الأخيرة والأهم في سلسلة الجيل المؤسس لتجربة الأغنية الوهرانية، والتي خرجت من معطفها، لاحقا، موسيقى الراي التي رفعت شأن الجزائر ونقلتها، مطلع التسعينيات، إلى مصاف العالمية. لم يكن موعد اللقاء مع الشيخ بلاوي معدّا سلفا، بل كان وليد صدفة جميلة جمعتنا مع الرجل بعذراء الشرق، مدينة العلمة، بولاية سطيف. وجدناه، بإحدى قاعات المركب الثقافي الجيلالي مبارك، جالسا على كرسي، في تواضع وفي بساطة أيضا، متصفحا مجموعة شعرية لمبدعة في مقتبل العمر. كان الشيخ حينها يهيم في حالة سكينة، غير عابئ بما يدور حوله، قبل أن نفاجئه بالتحيّة ويرد علينا بالمثل مبتسما. فاتحناه بصدق الحديث قائلين: ''مرّت سنوات وأغانيك يا شيخ تلوّن يوميات جيل بعد آخر من الجزائريين''. رسم ابتسامة طفولية واضحة وأجاب: ''الحمد لله... أحنا درنا اللي علينا''. سألنا عن هويتنا وبدا متحمسا في مجاراة دردشة حميمية ومفتوحة على كل التساؤلات، أردنا انطلاقتها من آخر ألبومات الكينغ الشاب خالد والموسوم ''ليبرتي'' (حرية) والذي شكّل، منذ صدوره شهر مارس المنصرم، سبب تنشيط أكثر من عشر حفلات عبر عواصم عالمية مختلفة، والذي يستعيد، في مكوناته بعض الأغاني المستمدة من ريبرتوار الشيخ بلاوي الذي ردّ معلقا على ألبوم الشاب خالد قائلا: ''زارني، قبل حوالي السنة، الشاب خالد، في بيتي بوهران، وطلب مني الإذن لإعادة تأدية بعض الأغاني القديمة، خصوصا أغاني ''راني محيّر''، ''بويا كي راني'' وزبانة''.
ويواصل قائلا: ''الشاب خالد صوت جد مهم في الأغنية الجزائرية عموما. لم أندم لما سمحت له بإعادة تأدية أغانيّ، حيث ساهم، عبر الألبوم الأخير، في رد الاعتبار للأغنية الوهرانية الأصيلة''.
رغم الاعتراف الصريح بدور الشاب خالد في استعادة شأن الأغنية الوهرانية، فإن بلاوي هواري ظل وفيا لمواقفه المتشددة تجاه ما يعرف بموسيقى الراي والتي يتحدث عنها قائلا: ''تعيش ساحة الراي اليوم حالة فوضى. لا بد من التفريق بين مختلف أشكال الراي المتداولة في السوق. هناك أنواع مختلفة. غالبية الإصدارات التي نستمع إليها لا تمت إلى الموسيقى الأصيلة بشيء''.. ولم يتوان الشيخ بلاوي عن نعت الجزء الأهم من موسيقى الراي الشائعة في مختلف الأوساط الفنية بعبارة ''الراي التجاري'' الساعي إلى بلوغ مكاسب آنية، حيث أبدى الشيخ بلاوي رفضا للتعامل مع نوعية الكلمات ''الهابطة'' المتداولة.مضيفا: ''صرنا لا نولي أهمية لنوعية الكلمات المستخدمة في موسيقى الراي''.
مقدما انطباعا يفيد أن ''الفنان العاجز عن كتابة كلمات الأغاني يظل فنانا ناقصا''. كان الشيخ بلاوي هواري يجلس في حلّة كلاسيكية على شاكلة ''مايسترو'' يتحدث بلغة رزينة وخافضا الصوت.
وأمام حالة الانزعاج إزاء الواقع السائد وتعارضه مع الميول الموسيقية الرايوية المتعارف عليها اليوم، لم يخف الشيخ حقيقة مشاعر الأسف أمام تنازل البعض عن تحمّل المسؤولية مقرا بالقول: ''صحيح أننا نعاين حالة تقهقر موسيقي. مع ذلك، لا يجب أن نتنكر لمسؤولياتنا. انتشار الراي التجاري نابع أيضا من تراجع حضور الشيوخ الحقيقيين.شذرات من مذكرات عرّاب الشاب خالد ومامي
محادثة الشيخ بلاوي هواري إبحار على ضفاف التاريخ الحديث للأغنية الجزائرية، التي ما تزال تفتقد إلى الجهود التوثيقية. وتظل بعيدة عن ضروريات استنباط الشهادات الحية القليلة المتبقية. ويواصل الشيخ حديثه ويسرّ إلينا، نافيا ما يدور من أقاويل حول شخصه ومزاعم اعتزال الفن، حيث يصرح: ''صحيح أن حضوري الفني تقلّص خلال السنوات الماضية بشكل ملحوظ. هذا لا يعني اعتزال الفن. ما أزال أكتب وأؤلف وألحّن في عزلة وانسحاب عن الأضواء مقصودين''.
وكشف الشيخ عن استفادته من التكنولوجيا الحديثة التي وفرت عليه كثيرا من الجهد والوقت. كما لم يمانع من مفاتحتنا ببعض الخطوط العريضة من مشروع المذكرات الشخصية التي قطع منها شوطا هاما، والتي يريدها وثيقة رسمية ضمن مسعى توثيق مختلف محطات الموسيقى الجزائرية بشكل جاد وفعال.
وأبلغنا أنه سيستعيد، من خلال المذكرات نفسها، مسيرة قرابة القرن من الأغنية الوهرانية التي ولج غمارها مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، وهو ما يزال في عقد العشرينيات بمقهى والده ''محمد التازي'' بالطحطاحة وسط مدينة وهران.
ويواصل محدثنا كشف فحوى المذكرات، ذاكرا أنها ستستعيد أولى نجاحاته والمتمثلة خصوصا في أغنية ''اسمع''، أين انضم إليه في التلحين أحد أبناء الأخ المسمى حجوطي بوعلام، والتي أبى إلا أن يعيد إسماعنا مطلعها حين يقول: ''اسمع... اسمع... زينك فتّان... ما كانش كيفو في البلدان... اسمع يا سيد الغزلان''.
كان الشيخ بلاوي يستشعر كثيرا من النوستالجيا وهو يستعيد ذكريات البدايات سنوات الخمسينيات، مع أغانٍ يحفظها ويرددها الكثيرون، على غرار ''راني محيّر'' والأغنية الشهيرة ''المرسم'' للشيخ الميلود من مدينة بوحنيفية بولاية معسكر، والتي يقول في مطلعها: ''يا ذا المرسم عيد لي ما كان وين المرو اللي قبيل هنا.. يا ذا المرسم زدت لي تشطان فيك أنا والريم تلاقينا... ناس أختي ولاوا لي عديان وعلى تاج الغيد كرهونا...''.
القصيدة نفسها التي شكلت، مطلع الثمانينيات، أحد أهم نجاحات الشاب خالد، وكذا الشاب مامي، الذي أعاد أداءها بألحان بلاوي نفسها ونال من خلالها لقب سلسلة ''ألحان وشباب'' العام .1982
ويواصل الشيخ بلاوي تذكيرنا بمختلف النجاحات الموسيقية الأولى مع أغاني ''بي ضاق المور'' وكذا ''الوشام'' المقتبسة من أعمال الشاعر الشعبي المعروف بن مسايب والتي يقول في مطلعها: ''يا الوشام دخيل عليــــك... كن حاذر فاهم نوصيك... اخفض والخفض يواتيك... منيتي بالك تأذيها..''.
رغم الأثر الهام الذي استطاع الشيخ بلاوي توقيعه على سجل الأغنية الوهرانية، خصوصا من خلال إدراج لون السماعيات الموسيقية في الموسيقى الجزائرية عموما، وحيازته سجلا يضم تلحين ما لا يقل عن 500 أغنية مختلفة، إلا أن الرجل ما يزال يبدي كثيرا من التواضع في سرد ذكرياته، ويتحدث بكثير من الاحترام عن شيوخ آخرين سايروا فترة وجوده على غرار الراحل أحمد وهبي الذي يقول عنه: ''كان صوتا جد مميز. للأسف، لم نكن نلتقي ونتحادث كثيرا. الراحل وهبي كان مرتبطا بجملة انشغالات كثيرة في فرنسا''.
كما أشار الشيخ إلى أن فحوى المذكرات التي هو بصدد إعدادها سيحاول أن ينأى عن مختلف الأسئلة السياسية التي واكبت مسيرته الفنية، نافيا ضمنيا حقيقة وقوع خلاف بينه وبين النظام البومديني، سنوات الستينيات. معبّرا، في السياق ذاته، عن تواصله مع ذكريات الشهيد أحمد زبانة، والذي يتحدث عنه: ''زبانة صديق طفولة. كنا نعرف بعضنا البعض حقيقة المعرفة. وأذكر أني صدمت بسماع فاجعة استشهاد الرجل بالطريقة الاستعمارية الأكثر بشاعة''. تلك الفاجعة التي قادته إلى تلحين وأداء إحدى أشهر أغانيه والموسومة ''زبانة''، التي كتبها الشريف حماني، والتي يقول في مطلعها: ''ياذبايلي أنا على زبانة''.
فرضيات العودة..
كان الشيخ بلاوي يستدرك من حين لآخر، ويقول: ''أخاف أن يؤوّل البعض كلامي بشكل خاطئ، ويعتبروا موقفي موقفا مضادا لأغنية الراي. على العكس تماما. أنا لست ضد أي لون موسيقي''.
ويواصل الحديث معبّرا عن رضاه التام عن كل المسار الفني الذي قضاه، وعدم ندمه على أي من المحطات التي اجتازها، موجها رسالة تحمل أكثر من مدلول لفئة الشباب لما يقول: ''يجب على شبابنا المنخرط في فعل الغناء أن يأخذ الموضوع بكل جدية. من واجب الفنان، قبل كل شيء، السعي إلى المحافظة على سمعته الإبداعية''.
يعتبر موضوع كتابة المذكرات الشخصية أحد أهم المواضيع التي تشغل بال الرجل حيث لم يكن يمانع، بين الحين و الآخر، من استعادة بعض الخطوط العريضة، حيث كشف عن تطرقه إلى العلاقة الوثيقة التي كانت تربطه مع نصوص وأعمال الشيوخ التاريخيين للأغنية الوهرانية، على غرار الشيخ حمادة، وكذا كتابات عبد القادر والهاشمي بن سمير وغيرهم..
بعد التفرغ الكلي اليوم إلى مرحلة التقاعد، بعدما اشتغل، منذ مطلع الستينيات قائدا للأوركسترا السيمفونية للإذاعة والتلفزيون الجزائري، كشف بلاوي عن استمرار تواصله مع الموسيقى كما لا يتوانى عن الاعتراف بتواضع: ''لازم نفتحو المجال أيضا أمام الصغار''.. وأعاد تذكيرنا بأسماء بعض الفنانين الذين يرى فيهم جيل التواصل مع الأغنية الوهرانية الأصيلة، على غرار: هواري بن شنات وبارودي بن خدة، إضافة إلى أسماء نسائية مختلفة ساهم الشيخ بلاوي في تشجيعها على غرار: مليكة مداح، جهيدة، سعاد بوعلي، سامية بناني، بابا حورية وغيرهن كثير.
يعيش اليوم بلاوي هواري، والذي شاءت الأقدار أن يرى النور في نفس السنة التي أنجبت رجالا ساهموا في رسم منحنى تاريخ القرن العشرين، على غرار الرئيس الكوبي الأسبق فيدال كاسترو، السينمائي العربي الكبير يوسف شاهين والفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو، في وقار الشيوخ، مدركا قيمة الأثر الذي أثرى من خلاله التجربة الموسيقية الجزائرية التي توجته كنموذج في تحديث الأنماط الموسيقية ليس جزائريا فقط بل مغاربيا أيضا.

مختصر السيرة الذاتية
ٌ بلاوي هواري، من مواليد 26 جانفي 1926 بوهران. تربى في كنف عائلة تحب الموسيقى، حيث كان والده عازفا على آلة ''الكويترة'' وأخوه ''قويدر بلاوي'' عازف ''بانجو'' و''ماندولين''. عام ,1942 مع إنزال قوات الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية، اشتغل حاجبا في ميناء وهران. في عام 1943م أسس فرقة موسيقية عصرية. عام ,1949 سجل أول أسطوانة له ( 45 لفة) مع مؤسسةPathé marconi والتي غنى فيها أغنية ''راني محيّر''. بعد الاستقلال أوكلت إليه إدارة ''الإذاعة والتلفزيون الجهوي'' بوهران. آخر ألبوم للأستاذ بلاوي الهواري كان عام .2001
__________________

رد مع اقتباس