عرض مشاركة واحدة
  #103  
قديم 07/02/2010, 18h05
الصورة الرمزية قصي الفرضي
قصي الفرضي قصي الفرضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:380271
 
تاريخ التسجيل: janvier 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 648
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاخوه الاحبة
السلام عليكم



بلبل الريف والاذاعة



حضيري ابو عزيز







من يتصدى للكتابة عن الفنان القدير حضيري ابو عزيز لابد من ان يتناول مرحلة مهمة وطويلة من مراحل الاغنية الريفية في العراق لما تركه هذا الفنان من اثر بليغ في منح هذه الاغنية السمات الاساسية والخصوصية المتفردة بحيث مازلنا نجد اثره موجوداً لدى جميع مطربي الغناء الريفي سواء الذين عاصروه او من الذين جاءوا بعده.. وحضيري هو ثاني اثنين من أهم فناني العراق في مجال الغناء فهو ومحمد القبانجي يعدان من اهم الاسس الفنية للحركة الغنائية العراقية.. القبانجي في المقام العراقي وحضيري ابو عزيز في الغناء الريفي..

من هو حضيري ابو عزيز

هو حضيري بن حسن بن رهيف بن غاني بن شلول بن ديوان الصرجني من عشيرة الصبورة الموجودة في مدينة الشطرة وضواحيها في محافظة ذي قار وهو من مواليد 1904، قتل والده بسبب تصديه لاحدى سفن العثمانين التي كانت تسير في نهر الفرات فتبنته عمته نوره ورعته خير رعاية وتأثر كثيراً بنعيها لأخيها (والده) على الطريقة الريفية فراح حضيري يطلق الغناء لصوته الجميل وهو يجوب ريف الشطرة مما زاد من قوة صوته واثر في حلاوته وجماله.. وقد عرف أهل الشطرة كلهم بجمال صوت هذا الفتى بعد ان كان يغني وهو يسرح بالماشية او عندما يختلى بنفسه على حافة النهر وهو يردد الاغاني المعروفة ويضيف اليها نكهة صوته.. مما دعا الكثير من الفلاحين الى اطلاق لقب (بلبل الريف) على حضيري.. وكان في تلك الفترة صوت قوي اخر في المنطقة هو صوت داخل حسن الذي كان يعمل في نفس مجال حضيري (رعي الماشيه) فنشأت علاقة متينة بينهما وراحا يغنيان معاً اغاني مشتركة وذلك قبل عدة سنوات من ادائهما للاغاني المشتركة في الاسطوانات لدى شركات التسجيل.

بعد بروز صيته في الشطرة وانتقال ذلك الى الناصرية جاء خاله (حسين محمد) الخياط لاخذه الى هناك وكان عمره (16 عاماً) اي في عام 1920 وهناك اخذ يعمل معه في الخياطة ويمارس نشاطه الغنائي في محل الخياطة مما يجعل الناس تتجمع امام المحل لسماع صوته الجميل فازدادت شعبيته وعرف على صعيد المحافظة كلها.

حضيري وشركات الاسطوانات

حين نشأت شركات تسجيل الاسطوانات في بداية القرن الماضي راحت تبحث في الوطن العربي عن الاصوات الجميلة والمؤثرة لتقدمها في اسطوانات تسمعها الناس وتستمع بها.. فكانت البداية في العراق مع مطربي المقام العراقي.. فسجلت لاحمد زيدان وملا عثمان الموصلي ومحمود الخياط ومحمد القبانجي .. وبعد بروز صوت حضيري سجلت له شركة بيضافون الالمانية عشر اسطوانات كل واحدة فيها (أبو ذية وبستة) من اهمها كما يذكر ثامر العامري في كتابه الموسوم (حضيري ابو عزيز) هي ابو ذية وأغنية (احا يلبس المودة) وابو ذية واغنية (فتحية) وابو ذية واغنية (شريفة الواجفة) وابو ذية واغنية (الناصرية) وغيرها.

بعد سنوات سجلت له شركة نعيم اسطوانات اخرى منها (هلي ياظلام) و(عنيد يايابه) و(شلك على ابن الناس) و (بس بعد) و (دكعد وحاجيني).. ثم جاء دور شركة سودا الوطنية التي مقرها حلب وهناك تعرف حضيري على ابرز نجوم الطرب العرب مثل محمد عبدالوهاب ووديع الصافي.. وقد كانت اهم تجربة في حياته اذ من خلالها عرفه الناس في ارجاء الوطن العربي.. ومن خلال هذه الشركة قدم حضيري مع داخل حسن اغنيات الثنائي وسجلا معاً ثلاث اغان هي (يحضيري بطل النوح) و(انه غريب ابهل البلد) و(حميد)..
وسجل مجموعة كبيرة من الاسطوانات لشركة (بيضافون ) 1926 (هزماسترفويس) عام 1933 وشركة (نعيم) 1935 ولشركة (سودا ) 1937 ولشركة (كولومبيا) 1947 ولشركة (جقماقجي ) عام 1956 المتطورة فنياً قياساً بشركات التسجيل التي سبقتها حيث استطاعت خلال فترة من استقطاب جميع الاصوات العراقية المهمة رجالاً ونساءً ، ورصيد حضيري من الاغاني يزيد على 200 اغنية، ويجيد اداء جميع اطوار الابوذيه بدون استثناء .


حضيري والاذاعة
بعد تطوعه في الناصرية بصفة شرطي وانتشار اسمه كمطرب ريفي مرموق تم نقله الى دار الاذاعة العراقية (كانت تابعة لوزارة المعارف )بعد تأسيسها بقليل ليكون اول مطرب ريفي يغني فيها وقد تحقق الامر بمساعدة ابن ولايته الشاعر ووزير المعارف انذاك محمد رضا الشبيبي الذي يعد صاحب الفضل الاول في ذيوع وتطور الغناء الريفي في العراق .. وعندما دخل حضيري الى الاذاعة خصص له برنامج اسبوعي في البث الحي يذاع كل يوم جمعة العاشرة صباحاً مما زاد من شعبيته وتعلق الجمهور به حتى صار من اشهر مطربي الريف الاخرين مثل داخل حسن وناصر حكيم وغيرهما.

يلحن ويكتب اغانيه
بالرغم من ان حضيري لم يكمل تعليمه اكاديمياً فقد تعلم القراءة والكتابة واستطاع ان يكتب كلمات اغانيه ويلحنها بفطرته العالية واحاسيسه الفنية الى جانب تعامله مع العديد من الشعراء مثل جبوري النجار وعدنان السوداني وجودت التميمي وعبدالمجيد معروف.. كذلك كان حضيري يحضر مجالس الشعراء والادباء في بغداد والمحافظات مثل مجلس آل القزويني في الحلة ومجلس عبدالصاحب عبيد الحلي كما تعرف على الشعراء رضا الهنداوي وقاسم خطيب والشيخ علي البري وملا حميد السداوي والحاج زاير دويج وغيرهم.

فيلم يتيم في السينما
على غرار الافلام المصرية التي ضمت مجموعة من المطربين مثل فريد الاطرش ومحمد عبدالوهاب ومحمد فوزي وغيرهم.. قامت شركة الرشيد بأنتاج فيلم عراقي مصري مشترك يجمع مابين الغناء والتمثيل وكان ذلك في عام 1946 اسمه (ابن الشرق) سيناريو واخراج ابراهيم حلمي وبطولة شاب عراقي يدرس في مصر هو عادل عبدالوهاب وشاركت معه مديحة يسري وبشارة واكيم الى جانب الفنانة المطربة والممثلة نورهان والمطرب حضيري ابو عزيز الذي غنى في الفيلم اغنيته المشهورة (عمي يا بياع الورد).. ولم يشارك حضيري في فيلم اخر غير هذا.. يذكر ان الفيلم عرض في بغداد وبتاريخ 20/11/1946 بسينما الملك غازي واعتبره البعض اول فيلم عراقي وظلت السينما العراقية تحتفل به لعدة سنوات حيث اطلقوا يوم السينما العراقية على تاريخ عرض هذا الفيلم ثم تغير بعد عدة سنوات حين اختاروا فيلماً اخر كان انتاجه عراقياً صرفاً..


فن الغناء لدى حضيري

يعد حضيري من اهم مطربي الاغنية الريفية لما يتمتع به من ميزات قلما تجدها لدى غيره بحيث كان يشكل مدرسة غنائية متكاملة ويجيد الاطوار الغنائية كافة الى جانب اضافته لها.. ويتمتع بصوت جميل واخاذ واجادته لجميع الانغام الموسيقية والتلوين الادائي..





ولهذا الفنان الخالد حكاية طريفة مع الوصي على العرش عبد الاله، يتحدث عنها الباحث التراثي رياض العزاوي، فقال: اعتاد حضيري أبو عزيز ركوب سيارة فارهة عند الذهاب الى دار الاذاعة اللاسلكية العراقية، وكان فناننا الكبير يعيش في ذلك الوقت عيشاً رغيداً، وكان من المطربين العراقيين القلائل الذين يتمتعون بشهرة وصيت واسع ويحاط بالأضواء والنجاح على مستوى البلاد والوطن العربي، حتى ان أغانيه كانت معروفة وتتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة بين أبناء أمة العرب وكانت أغنية (عمي يباع الورد) التي حققت رقماً قياسياً في النجاح والانتشار وغنتها أكثر من مطربة عربية وقدمت في عدد من الأفلام السينمائية، واضاف: هذه الشهرة لم يحققها مطرب عراقي من جيل حضيري ما أهلته أن يحتل مكانة ومنزلة رفيعة بين المطربين العراقيين والعرب، وأصبح أشهر مطرب عراقي في الخارج، فضلاً عن الداخل، وفي احدى المرات التي كان يستقل فيها حضيري سيارته الخاصة متوجهاً لدار الاذاعة لتقديم وصلة غنائية أو تسلم أجور عن أغانيه المذاعة، فالراحل حضيري مشهور ومعروف عنه السخاء والكرم اذ كثيراً ما ينفع المحتاجين والمساكين، وكان دائماً يمنح حرس الاذاعة مبالغ من المال يسيل لها اللعاب، وكان معتاداً على أن يمنح الشرطي الواقف بباب الاذاعة مبلغ خمسة دنانير، ويرد الشرطي الجميل بفرح وسرور وهو يرفع يده ألى أعلى بسلام تعظيم لعطاء مطربنا الكبير حضيري أبو عزيز السخي الذي يفوق كثيراً في ذلك الوقت عطاء المسؤولين وصادف ان كانت الوصي عبد الاله داخل الى مبنى الاذاعة لم يرفع الشرطي يده تحية للوصي، ما جعل الوصي يغضب ويمتعض من تصرف الشرطي بعد ان رأى سيارة حضيري يجرى لها استقبال وتعظيم، فأرسل الوصي في طلب الشرطي مستفسراً منه عن السبب وراء عدم أداء التحية له عكس سيارة حضيري، فأجابه الشرطي بأن حضيري سخي ونفسه طيبه وكرمني بخمسة دنانير (وهو مبلغ كبير ولايستهان به في ذلك الوقت) ، فما كان من الوصي الى ان أمر للشرطي بمبلغ (5) دنانير، حينها رفع الشرطي يده بسلام وتعظيم للوصي عبد الاله على قدر المبلغ ....

وبدأت شهرته من خلال الحفلات التي كانت تقام في الاذاعة والمسارح وغنى الالوان الغنائية المعروفه بصعوبتها النايل , الآبوذية , الركباني , السويحلي وغيرها ... وكذلك قام بغناء بعض من الاغاني السياسية اللاذعة ومن أشهرها روحي الوطن , ياعرب , وحميد ياحميد التي اذيعت من أذاعة بغداد وأذاعة الشرق في الخمسينات وكذلك له مواقف سياسية حيث قام اثناء احداث عام 1952 بمهاجمة رئيس الوزراء وكذلك له اغاني جميلة وخفيفة تخص المدن العراقية منها أغنية الموصل حلوة وجنة , وأغنية أحيا وأموت على البصرة وكذلك معروف عنه شاعراً وملحنا ويعتبر المطرب الريفي الآول الذي جعل من الآغنية الريفية محببة الى أبناء المدينة وكان له محبيه ومعجبيه وأصبح سيد الغناء الريفي في زمنه لعذوبة صوته الذي يجمع بين الحزن والطرب .

اشتهر حضيري ابو عزيز بطيبة قلبه واخلاقه العالية وبساطته وكرمه اللامحدود واناقته المفرطة وكان يقص شواربه على شكل شوارب الممثل الامريكي كلارك كيبل في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي وكان معجبا به ايما اعجاب .





لقد اشتهر المغنون الريفيون بترديد الأبوذية على نغمات الإيقاعات لدنابك الطين وصحون التنك والجينكوات والخزف , واشتهر حضيري أبو عزيز بحبه لدق الأصابع بين وصلات أغانيه فأعتاد أن يقف أمام الميكروفون في أستوديو الإذاعة, كما يروي لنا الأستاذ ألبير من أفراد فرقة إذاعة بغداد آنذاك , ويدق أصابع يداه بين وصلات الأغنية كما في بستة هاي وين جانتلي , ولفي يدور جتلي , وهي من نغم الحجاز , وسلم عليه .

حضور حي مع حضيري أبو عزيز في ليلة قمراء صيف عام 1959
الحديث للدكتور صالح جواد الطعمة ،

ذهبت بصحبة شقيقي إلى الحفلة عند جاري في منطقة الوزيرية ابا رعد صاحب محل موبليات في الحيدرخانة بمناسبة ختان ابنه رعد في الموعد المحدد التي ابتدأت من الساعةالثامنة مساءا وانتهت بعد منتصف الليل ، حيث تناولنا العشاء مع الضيوف وبدأ المطربون و المطربات بالغناء ، وكنا جالسين بحديقة الدار الواسعة بالقرب من منصة أو مسرح الغناء على بعد مترين أو ثلاثة . و بعد التقديم الرائع صعد حضيري أبوعزيز إلى المنصة و بدأ بغناء أبيات الأبوذية قبل كل أغنية و شاهدت دموع حضيري أبوعزيز تسيل على خديه عندما غنى الأغاني...
عاين يادكتور إلحالي يادكتور والروحما تحمل بعد لا سگم لا جور .
ظنيت ما أحبك ؟ لا والنبي لا لا .
أرد اشتكي لاهل الهوى حالتي واحچيلهم بما جرت قصتي .
منيالولف راح و شلون أرتاح سد باب گلبي بيده او ضيّع المفتاح
تگـرب واسمع الدگةأو أنطي للـگـلب حگـه ،
ضاع التعب ضاع ويّاهم إبساع .

ثم أنشد أغانيه الواحدةبعد الأخرى مثل

عمي يا بياع الورد گلی الورد بيش گلي ،
جاني إلي مكتوبجاني جاني إمن المحبوب جاني ،
سلم عليّ بطرف عينه او حاجبه أدى التحية او زين يعرف واجبه وغيرها.

كانت تلك الأمسية من أجمل الأمسيات الخالدة التي عشتها حية قريبة من المطربين و المطربات في حياتي .

وفي ألمانيا ، حيث زرت معالي السفير الأسبق للمملكة العربية السعودية السيد عباس فائق غزاوي ( الكلام لايزال للطعمة) الذي رحب بنا ترحيبا حارا و أهديت لسعادته بعض مؤلفاتي و من ضمنها كان كتابي : نبض الوجدان , أغاني عراقية لأشهر المطربين والمطربات . تصفح السيد السفير هذا الكتاب و بعد أن قرأ إسم المطرب حضيري أبو عزيز إبتسم و قال لي : " كان البدو في الاربعينيات والخمسينيات عندما يذهبون إلى المدن السعودية لبيع و شراء البضائع يشترون أجهزة الراديو مع البطارية . وكنت جالسا في أحد المحلات التجارية جاء رجل بدوي وطلب شراء راديو ، وقال للبائع : أريد جهاز راديو يذيع فقط أغاني حضيري أبو عزيز ،وإلا فلن أشتريه .

يتضح لنا كيف كان جمهور العربي طيب القلب بسيطا وعلى سجيته يتابع أغاني حضيري أبو عزيز في الصحارى و الوديان و الأرياف و المدن صاحب الصوت العراقي الأصيل الرنان، الذي دخل قلوبنا بلا استئذان، وعبر الحدود العراقية إلى الوطن العربي باسلوبه الريفي الجميل..

والجدير بالذكر أن حضيري أبو عزيز كان يعالج القضاياالإجتماعية و التوعية و الإرشاد في أغانيه فمثلا أغنية : " عمي يابو التموين مشي العريضه " كانت تشير إلى الأزمة الإقتصادية التي مر بها العراق لنقص الموادالغذائية الرئيسية كالسكر و الشاي و الرز و الطحين و الزيت الأمر الذي أدى إلى قيامالحكومة العراقية بتوزيع بطاقات تأمين الغذاء لكل عائلة . أن أغنية " فوق فوق عالرصيف إصعد فوگ عالرصيف " كانت موجهة إلى الأطفال و الصبيان بعدم السير في وسط الشارع بل على الرصيف تجنبا لوقوع حوادث المرور و الدهس.

كان المطرب حضيري ابو عزيز والحق يقال أول من حبب الاغنية الريفية الى ابناء المدينة وجعل منها جسراً يربط بين ضفافي الريف والمدينة وكان قبل ادخالة اجهزة التسجيل الى الاذاعة يؤدي وصلتة الغنائية صبيحة كل يوم جمعة ولمدة نصف ساعة من الوقت وعلى الهواء مباشرة .
وحين يخرج من دار الاذاعة تكون بانتظاره تظاهرة من المعجبين تستقبله في الشارع المقابل للاذاعة تلوح له وتحييه وتبارك صوته الساحر الجميل .


وكان حضيري ابو عزيز يستخدم اصابعة اثناء الغناء اي ( دق الاصبعتين ) متزامنة مع الموسيقى ، وكان عندما يحين وقت وصلته الغنائية من دار الاذاعة يخلو الشارع من المارة تقريبا وتتوقف سيارات الاجرة ويزدحم الناس في المقاهي والبيوت ولم تدب الحركة الا بعد ان ينتهي من الغناء ليستقبل بعاصفة من التصفيق وعبارات الاعجاب ولقب حينها ببلبل الاذاعة وبلبل الريف .
حتى اصبح حضيري ولوقت طويل من الزمن سيد الشارع والغناء معاً . واستطاع حضيري ان يهيمن على قلوب عشاق الغناء لعذوبة صوته الجامع بين الحزن والطرب وعرض المساحة الصوتية قراراً وجواباً وكان بحق اول صوت ريفي يشق طريقة الى كل مدن العراق وبسرعة مدهشة ، ولقد اجاد غناء كافة الاطوار الريفية بطريقة مذهلة انتزع فيها اعجاب اوسع الجماهير الا ان المرض كان له بالمرصاد وهو لم يزل في قمة الغناء الريفي الاصيل وصاحب الحنجرة الذهبية التي تسيل نبراتها حلاوة ورقة وعذوبة ، فرحل وترك بصماته على حناجر الكثيرين من المطربين الذين تأثروا بصوتة الجميل ويجاول كل واحد منهم ان يسد فراغه ولكن دون جدوى فالفراغ ما زال فراغاً وسيبقى الا ان يشاء الله .

قصة و أغنية حضيري أبو عزيز .. وملهمته هدية

احب الفنان الراحل حضيري أبو عزيز فتاة عراقية من مدينته (الناصرية) اسمها (هدية ) ولكن أهلها رحلوا من المدينة عندما علمو بأن لها علاقة بالفنان حضيري وعندما علم الفنان حضيري أبو عزيز برحيل عائلة هدية ،جنّ جنونه وهاجر الى مدينة بغداد العاصمة وانظم الى دار الاذاعة العراقية وغنى لحبيبته (هدية) هذا البيت من الأبوذية ..‏

يروحي إشفاد لجيج من لحيتي ..‏
إجمْ ماسنح بما سخ ملحيتي ..‏
كل إللي جرى لي من لحيتي ...‏
مستاهلْ يروحي وحيل بيَّ

أما الأغنية التي غناها الفنان حضيري أبو عزيز في وداع
حبيبته (هدية) فكانت مزيجا من الحزن والعتاب لأنها رحلت وتركته مهاجراً الى بغداد التي عاش فيها مدى حياته حتى توفي عام 1972 رحمه الله ..علماً أن هذه الأغنية تقرأ من اليمين الى اليسار ومن اليسار الى اليمين بنفس المعنى

بحضيري بطل النوحْ وهجع شوية نوحك بعد شيفيد شالت هدية ..‏

والله مابطل النوح علْ فاركوني وبسل لذبه الروح وعمي عيوني..‏

آني الهويت الضيم ماجاني كوه ويكلي إنت إمنين وأنكر الخوة ...‏

مو دخت مومليت موشيبتني ماخفت ربك ليش رحت وعفتني


هذه القصة التي تحكي مفردات الفن العراقي مابين الفرات
ودجلة هي واحدة من قصص التراث الشعبي العراقي التي بقيت درساً لكل الفنانين العرب توارثها من يحب الأدب الشعبي والطرب العربي ،رحم الله الفنان حضيري أبو عزيز


ومن المهم التطرق الى عدد من الاغاني التي ظهرت بين ثنايا ارشيفه الغنائي لكنها لم تأخذ حصتها او مساحتها من الذيوع على الرغم من حلاوتها ورقة كلماتها وبساطتها عندما كانت (تناغي) الواقع الاجتماعي انذاك..
فهناك مثلا اغنية (احنه بنات البلد) التي كان يصور فيها غنائيا اعجوبة شيوع الكهرباء في ذلك الزمن البعيد بعد ان غادرت المدن تلك (الفوانيس) المعلقة على ابواب الازقة والتي كان يقوم بملئها شخص يطلق عليه بـ(النفطجي) .
فيغني مطربنا الراحل حضيري ابو عزيز على لسان بنات المدينة وبفخر ليشدو:

احنه بنات البلد والكهربا عدنه
ياريفي لا تبتلي ولا توصل لحدنه

هذه الاغنية التي تصور واقع حال المدينة حين وصلت الكهرباء وتم الاستغناء عن الفوانيس النفطية واعتقد كما وصل الى سمعي انها من تلحين صالح الكويتي الفنان الذي كان يعيش في البصرة واعد ولحن العديد من الاغاني لعدد من المطربين والاغنية المذكورة متوفرة عند باعة او مقتني الاسطوانات وقد سمعتها شخصيا في مقهى ( ابو سعد) في منطقة الميدان في نهاية السبعينات .
وللتأكيد على ان الفنان صالح الكويتي (كما اظن ) هو من لحن هذه الاغنية وسواها هي اغنية اخرى يناشد فيها حضيري ابو عزيز صاحبه الكويتي باغنيته التي تقول كلماتها:

دموع عيني تهل مثل النهر جاري
ياصالح كويتي جر الكمنجة عدل
شو ياروحي ونيتي

وليس عجيبا في اغاني اولئك الرواد ان كلماتها كانت تحمل امثالا وحكما عراقية شعبية تؤخذ حين تقال للربط بين الحدث وصاحبه وتعطي للسامع نكهة عراقية , فان خلاصة كل اغنية ريفية كانت بمثابة (المجس) الذي يرصد الظواهر ان كان منها السلبية او تلك الايجابية.

حضيري أبو عزيز .. بلبل الريف العراقي

مطربان ريفيان ذاع صيتهما خارج العراق مبكرا على الرغم من أن أغاني الريف تكون محدودة الانتشار لصعوبة اللهجة من جهة، ولكون ألحانها بسيطة وخاصة بها من جهة أخرى.. والمطربان هما حضيري أبو عزيز وداخل حسن من الناصرية.
وتتألف أغاني الريف العراقي من 36 طورا غنائيا كان لحضيري أبو عزيز الحصة الأكبر في تأليفها ابتداء من أواخر العشرينيات.

ويعد حضيري من أهم مطربي الأغنية الريفية لما يتمتع به من ميزات قلما تجدها لدى غيره، حيث كان يشكل مدرسة غنائية متكاملة ويجيد الأطوار الغنائية كافة الى جانب إضافته لها.. ويتمتع بصوت جميل أخاذ إضافة إلى إجادته لجميع الأنغام الموسيقية والتلوين الادائي.. من أبرز الاطوار التي كان يجيدها طور «الحياوي» الذي يقرأ بستّة ألوان في حين يقرؤه حضيري بلون سابع أضافه إليه. واصبح يسمى (طور حضيري-حياوي) وسجله في الاذاعة العراقية وطور «الشطراوي» الذي يقرأ بلونين قديم وجديد في حين يقرؤه حضيري بطريقة جميلة وجديدة، ما زاد من حلاوته وجماليته وقام بتسجيله لشركة جقماقجي. وطور «الغافلي» الذي ابتكر له حضيري أبو عزيز لوناً خاصاً خلصته من شوائب الحزن وسجله لشركة بيضافون. وطور «المجراوي» الذي غناه حضيري بطريقة تختلف عن الطريقتين المعروفتين، ما يعد إضافة نوعية للغناء الريفي، وسجله لشركة بيضافون.. وكذلك قرأ وطور بقية الاطوار مثل العنيبي والشجي والعياش والمنصوري والشطيت واللامي الذي أدخل عليه نغم الدشت فزاده حلاوة رغم تأثره بطريقة القبانجي.



رحيل حضيري

رحل الفنان حضيري ابو عزيز في 25/1/1972 تاركاً وراءه مكتبة ثرية من الاغاني الريفية الجميلة التي تشكل زاداً كبيراً للاذاعات العراقية والعربية ولمحبي فن الغناء الريفي.. وقد اقيم له حفل تأبيني ضخم تقدمه الفنان الكبير محمد القبانجي الذي القى كلمة بليغة بحق الفنان حضيري كما رثاه العديد من الشعراء وتم تخصيص راتب تقاعدي له .

رحم الله الفنان حضيري ابو عزيز فقد كان فنانا عراقيا اصيلا .

منقول للفائدة بتصرف
قصي الفرضي / العراق بغداد
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg حضيري 1.JPG‏ (22.8 كيلوبايت, المشاهدات 215)
نوع الملف: jpg حضيري 2.JPG‏ (20.3 كيلوبايت, المشاهدات 214)
نوع الملف: jpg حضيري ابو عزيز 3.JPG‏ (23.9 كيلوبايت, المشاهدات 214)
نوع الملف: jpg حضيري 4.JPG‏ (18.8 كيلوبايت, المشاهدات 215)

التعديل الأخير تم بواسطة : قصي الفرضي بتاريخ 07/02/2010 الساعة 18h21
رد مع اقتباس