عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 03/04/2006, 06h52
Shiraz Shiraz غير متصل  
عضو سماعي
رقم العضوية:18
 
تاريخ التسجيل: octobre 2005
الجنسية: لبنانية
الإقامة: لبنان
المشاركات: 13
افتراضي من يسمع عبد الحليم بعد 29 سنة على وفاته؟

من يسمع عبد الحليم بعد 29 سنة على وفاته؟
المستقبل - الاحد 2 نيسان 2006 - العدد 2227 - - صفحة 16



في الذكرى 29 لغياب عبد الحليم حافط، أبدت المجلات المصرية اهتماماً لافتاً باحياء ذكراه.
مجلة "صباح الخير" (28 آذار 2006) نشرت مقالة لمحمد بغدادي. منها نقتطف:
تعالوا نتأمل مشهد الغناء العربي والمصري لو أن عبد الحليم حافظ ما زال يعيش الآن بيننا، ولو أن حنجرته ما زالت قادرة على العطاء، هل كان باستطاعته أن يطربنا؟
ولو انطربنا نحن أبناء جيله الذين تربّت آذاننا على صوته العذب، فهل كانت أغانيه ستطرب أبناء هذا الجيل الذين يسمعون ـ الآن ـ في اليوم الواحد مئات الأغاني من نوعية "الفيديو كليب" الجديد الذي تتقصع فيه فتيات شبه عاريات.. كل علاقاتهن بالغناء هذا اللحم الأبيض العاري، الذي يترقص على "واحدة ونص". وكأن جواز المرور لعالم الغناء الحالي هو "البياض والحلاوة" وإجادة الرقص من غير هدوم. هذا بالنسبة للأصوات النسائية. أما الأصوات الرجالي فبكم العاريات اللاتي يرقصن خلفهن. أما الصوت فالاستوديوهات بأجهزة الصوت الحديثة كفيلة بحل جميع مشكلاته.
ولم أشاهد حتى الآن مطرباً أومطربة من ذوي "الكليبات" منذ انتشار هذا الوباء الفني استضافهم برنامج تلفزيوني وطلب منهم الغناء إلا ويقول: "معلهش أصلي عندي برد النهاردة".
ولو أن الافتراض الخيالي الذي بدأت به كلامي وارد الحدوث، وهو: ماذا لو أن عبد الحليم حافظ كان بيننا الآن، هل كان في استطاعته أن يبقى ليقاوم هذا ا لفيضان الغنائي المتأجج. وأنا اعتقد انه لا عبد الحليم ولا عبد الوهاب، ولا حتى عبد السميع اللميع كان بمقدوره الصمود في وجه هذا الطغيان الغنائي.
ولو كان عبد الحليم عايش لكان اعتزل الغناء منذ فترة. لأن ما يحدث الآن ليس له علاقة بالغناء ولا بالطرب ولا بالموسيقى العربية ولا الأوروبية، ولا بالحلاوة الطحينية... ولا أي شيء بالمرة. حاول بعد مشاهدة أي "فيديو كليب" ان تسترجع جملة موسيقية واحدة أو جملة شعرية واحدة فلن تجد.
ولكن ما الذي أوقعنا في هذه المأساة الغنائية المبتذلة التي نعيشها الآن. حقيقة الأمر أن السبب في هذه الأزمة الغنائية أن أغنية "عبد الحليم حافظ7-، لم تتم إذ أنه رحل عن عالمنا فجأة قبل أن يتم مشروعه الغنائي الذي انطفأ بريقه بعد سنوات قليلة من نكسة 1967.
فمشروع عبد الحليم الغنائي الذي بدأ في منتصف الخمسينات وجاء فتياً وعفياً... ثرياً وغنياً... جديداً وطموحاً... ليسد فراغاً غنائياً شبابياً كان يتسع يوماً بعد يوم... بعد اعتزال ليلي مراد التي بعثت الروح في الأغنية العربية والمصرية البسيطة القصيرة الحفيفة المعبرة عن روح العصر... وجاء عبد الحليم حافظ متبنياً مشروعاً جديداً... وولد هذا المشروع زمنياً وتاريخياً مع ثورة يوليو 52,. وولد عاطفياً ووجدانياً في وقت كانت الساحة الغنائية في حاجة ماسة اليه... ليحدث ثورة في الغناء موازية لثورة يوليو السياسية... فأغنية عبد الحليم حافظ جاءت لتجدد شباب الأغنية العربية حتى لدى عبد الوهاب وقنديل وعبد المطلب وفريد وأم كلثوم.
وهذه الثورة لم يحدثها صوت عبد الحليم بمفرده. ولكنه قاد هذه الثورة ومعه باقة من أجمل وأرق الأصوات المصرية والعربية الأخرى سواء في لبنان وسوريا أو تونس والمغرب والسودان... وكانت هذه الثورة الغنائية على موعد مع رياح التغيير التي هبت على المنطقة العربية كلها.. ولذلك فان ثورة التجديد في الغناء المصري والعربي ارتبطت عاطفياً ووجدانياً ووطنياً بالمشروع العربي القومي الذي فجرته ثورة يوليو"بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع ثورة يوليو وقادتها".. هذا المشروع الذي تبناه زعيم عربي كبير هو "عبد الناصر".. فجاء الغناء خلال تلك الفترة تعبيراً قومياً وعربياً عن آمال وأحلام وطموحات هذه الشعوب العربية... بدءاً من الحب والعشق والغرام.. ونهاية بالحرية والاشتراكية والوحدة العربية... لذلك كان هذا الغناء مفعماً بهذه المعاني وهذه القيم...
ومن خلال الاذاعة التي تبث أصواتاً فقط بدون صورة كان على هذه الأصوات، بعد أن نجحت في الاختبار، أن تنجح في النفاذ الى قلوب المستمعين قبل آذانهم... وتخاطب عقولهم قبل أن تخاطب غرائزهم، وتتملك وجدانهم قبل أن ترى عيونهم اصحابها في الأفلام السينمائية بعد ذلك... أو في حفلات التلفزيون أو تراهم وجهاً لوجه في حفلات أضواء المدينة التي كانت تقام بانتظام وبشكل دائم في جميع عواصم الدول العربية.
كان عبد الحليم حافظ قائد ثورة التجديد بين كل هؤلاء، وكان أكثرهم تألقاً وادراكاً لدوره التاريخي في مجال تجديد دماء الأغنية المصرية والعربية... "وسنستثني هنا مشروع فيروز الرحبانية لخصوصيته من حيث إنه مشروع قائم بذاته لا يصح عليه التعميم مثل باقي الظواهر الغنائية"... اذ كان مشروع الغناء العربي منطلقاً نحو آفاق آخذة في الاتساع ربما كانت ستصل بنا إلى العالمية.. خاصة ان هناك ثلاثة من الموسيقيين العمالقة الكبار كانوا يقومون برعاية حنجرة وموهبة عبد الحليم حافظ وهم عبد الوهاب والطويل والموجي... وعدد كبير من الشعراء العباقرة.. وانضم اليهم بليغ حمدي الموسيقي العبقري الشاب الذي جاء لينعش الحياة الموسيقية في بداية الستينات معلناً عن مشروعه الموسيقي الطموح على طريق التطوير والتحدي في الموسيقى والغناء.
ورغم كل هذه المؤشرات الواعدة... إلا أن رياح النكسة عندما هبت علينا عنيفة وموجعة ارتبكت كل المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية أيضاً بما فيها مشروع "عبد الحليم حافظ" الغنائي... وثورة التجديد التي كان يقودها هو ورفاقه من أبناء جيله.. والتي كان هو قائدها وزعيمها... ولذلك فعبد الحليم حافظ هو الأغنية التي لم تتم ولم تكتمل على الاطلاق.
رد مع اقتباس