عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11/08/2007, 14h55
الصورة الرمزية عثمان دلباني
عثمان دلباني عثمان دلباني غير متصل  
ابوهنية
رقم العضوية:42597
 
تاريخ التسجيل: juin 2007
الجنسية: جزائرية
الإقامة: الجزائر
المشاركات: 1,553
افتراضي التأثير الصوفي في الفنون والثقافة الشعبية الجزائرية

التاثير الصوفي في الفنون والثقافة الشعبية الجزائرية ج1


هذه الدراسة لـ:سعيد جاب الخير
كاتب صحفي جزائري وباحث في مجال التصوف والطرق الصوفية

لا شك أن التصوف بوجه عام والطرق الصوفية بشكل خاص،كان لها تأثير كبير على الثقافة الشعبية والفنون في الجزائر والمغرب العربي أو المنطقة المغاربية عمومًا،وقد توسّلت المرجعيات الصوفية من الزهاد والعارفين وشيوخ الطرق،منذ وقت مبكر بالفنون والثقافة الشعبية لتقوم بوظيفتها في نشر و تجذير خطابها الديني والروحي والاجتماعي وحتى السياسي أحيانًا في الطبقات السفلى من المجتمع (البسطاء والفقراء) التي شكّلت الخزّان الذي لا ينضب والمحرّك الأقوى لدواليب الحركة الصوفية من خلال تركيز شيوخ الطرق عليها والتصاقهم بها في اليومي المعيش وحتّى في الشعار الذي اختاروه لأنفسهم وتسموا به (الفقراء)، والدليل على عمق التأثير الصوفي في الفنون و الثقافة الشعبية الجزائرية،أننا ما نزال إلى اليوم نجد في لغتنا العامية كلمات وتعابير من أمثال (بابانا،بابا سيدنا، مول الزمان، مول الساعة، مول السر، مول الحال، الوالي، القبة، الديوان، الحضرة، القناوية..الخ)

1- تعريف التصوف والثقافة الشعبية :
- يعرف أبو بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي، التصوف في كتابه (التعرف لمذهب أهل التصوف) بقوله : " إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ونقاء آثارها".. وينقل أيضا عن بشر بن الحارث الحافي قوله : " الصوفي من صفا قلبه لله"..(1) ولعل أشهر ما يتميز به الصوفية من الصفات، هو تسامحهم وسماحتهم، فقد سأل رجل لسهل بن عبد الله التستري :
"من أصحب من طوائف الناس ؟ فقال : عليك بالصوفية، فإنهم لا يستكثرون ولا يستنكرون شيئا، ولكل فعل عندهم تأويل، فهم يعذرونك على كل حال" (2)

ومن هذه النصوص تظهر أهم المفردات التعريفية للتصوف فيما نرى وهي : صفاء القلب والسريرة (صفاء النية) والتسامح والانفتاح على الآخر وقبوله كما هو، لا كما نريده نحن أن يكون..
- أما الثقافة الشعبية : فنقصد بها كل ما هو خاص بالطبقات الشعبية ( أي العامة أو ما يقابل النخبة المثقفة) من إنتاج ثقافي معنوي في مجالات الشعر، الموسيقى، الغناء، الرقص، الحكاية والأسطورة، الحكمة، المثل .... إلخ)

2ـ السماع بين الصوفية والفقهاء (الرؤية الدينية):
إذا كان الصوفية قد عرفوا منذ الزمن القديم بانفتاحهم الديني والفكري و ابتعادهم عن التزمت الفقهي فإن ذلك راجع بالدرجة الأولى إلى عشقهم للحرية وحسهم الفني والجمالي المرهف،وفي باب الحرية ينقل القشيري في رسالته أن (الحرية أن لا يكون العبد تحت رق المخلوقات،ولا يجري عليه سلطان المكونات) (3) وفي هذا السياق كان الصوفية دوما يستشعرون الحرية في العديد من المائل التي يفتي فيها من يطلقون على أنفسهم (فقهاء الرسوم) أو الفقهاء الرسميون، ومن ذلك مسألة السماع أو الموسيقى ...حتى و عن كانت للصوفية أصولهم الدينية في هذا الموضع،فالقشيري في رسالته يستدل بقوله تعال ( فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) و يقول "إن اللّام في قوله تعالى ( القول) تقتضي التعميم والاستغراق، والدليل عليه أنه مدحهم باتباع الأحسن، وقال تعالى ( فهم في روضة يحبرون) وجاء في التفسير أنه السماع،واعلم أن سماع الأشعار بالألحان الطيبة و الأنغام المستلذة إذا لم يعتقد المستمع محظورًا...مباحٌ في الجملة.ولا خلاف أن الأشعار أنشدت بين يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ و انّه سمعها ولم ينكر عليهم في إنشادها، فإذا جاز استماعها بغير الألحان الطيبة فلا يتغير الحكم بأن تسمع بالألحان، هذا ظاهر من الأمر" (4)
هذا كلام صوفي ولكنه أيضا قبل ذلك فقيه شافعي كبير،جامع بين الشريعة الفقهية و الحقيقة الصوفية من أعيان القرن الخامس (ت 465هـ).
ويعرّف الجنيد السماع على أنه " وارد حق يزعج القلوب إلى الحق،فمن أصغى إليه بحق تحقق ومن أصغى إليه بنفس تزندق" (5) ، ويرى الشبلي أن " السماع ظاهره فتنة وباطنه عبرة،فمن عرف الإشارة حلّ له استماع العبرة،و إلّا فقد استدعى الفتنة وتعرّض للبليّة" (6) ، أمّا الكُلّاباذي من أعيان القرن الرابع فيقول " السماع استجمام من تعب الوقت،وتنفّس لأرباب الأحوال ، واستحار الأسرار لذوي الأشغال.و إنما اختير على غيره ممّا تستروح إليه الطباع لبعد النفوس عن التشبث به والسكون إليه،فإنه من القضاء يبدو وإلى القضاء يعود...فالسماع إذا قرع الأسماع أثار كوامن أسرارها،فمن بين مضطرب لعجز الصفة عن حمل الوارد،ومن بين متمكّن بقوّة الحال" (7).
وينقل الكلّاباذي عن أبي القاسم البغدادي قوله " السماع على ضربين، فطائفة سمعت الكلام فاستخرجت منه عبرة،و هذا لا يسمع إلا بالتمييز وحضور القلب،وطائفة سمعت النغمة و هو قوت الروح،فإذا ظفر الروح بقوته أشرف على مقامه و أعرض عن تدبير الجسم،فظهر عند ذلك من المستمع الاضطراب والحركة" (8) ، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن التواجد والحركة التي تصاحب الصوفية عند السماع هي كلّها أمور لا يملكونها، بل لعلّها فوق إرادتهم عندما يكونون في حالة تركيز حسّي وروحي مع السماع.
وينقل الكلّاباذي عن أبي عبد الله النباجي قوله " السماع ما أثار فكرة واكتسب عبرة،و ما سواه فتنة" (9) وفي هذا إشارة واضحة إلى التزام المضمون أو المحتوى في السماع الصوفي،وهذا فيما نرى تأسيس نظري لما يعرف اليوم بالغناء الملتزم،وينقل الكلّاباذي أخيرا عن الجنيد قوله " الرحمة تنزل على الفقير ـ أي الصوفي ـ في ثلاثة مواضع: عند الأكل فإنه لا ياكل إلا عند الحاجة،وعند الكلام فإن لا يتكلم إلا للضرورة،وعند السماع فإنه لا يسمع إلا عند الوجد" (10) وهذه الرؤية الجينيدية للسماع تجعل منه حالة تزّل للرحمة الإلهية وبالتالي حالة إلهية صرف، أي انه من الله تعالى، وهذا أقصى ما يمكن ان يقال فيه.
وقد اجتهد شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي الشافعي المتوفى سنة 632 هـ، في كتابه (عوارف المعارف) لتأصيل السماع والاحتجاج لإباحته من الكتاب والسنة،كما فعل أبو حامد الغزالي في (الإحياء). وخلاصة القول في هذا الموضوع :
- إن الصوفية ومعهم بعض الفقهاء كابن حزم وغيره،يؤكّدون انه لم يرد نص صريح في القرءان حول تحريم السماع،لا بآلة ولا بغير آلة.
- إن الصوفية ومعهم بعض الفقهاء يؤكّدون أنه لم يرد نص صحيح ثابت في السنة يحرّم السماع،وقد احتجّ ابن حزم الظاهري مطوّلًا لهذه المسألة في كتابه الموسوعي (المحلّى) .
- و من هنا انطلق الصوفية في بحث هذا الموضوع على أساس المصلحة الإنسانية الشرعية والاعتماد أيضا على أن الأصل في أفعال العباد هو الإباحة حتّى يرد النص المانع

3ـ السماع بين الصوفية والفقهاء (الحالة الجزائرية):
إن التصوف والطرق الصوفية التي كانت ظاهرة دينية اجتماعية حضارية عامّة في المجتمع الإسلامي، ظهرت في وقت مبكّر بالجزائر. ذلك أن أفكار محيي الدين بن عربي قد انتشرت فيها قبل العهد العثماني بزمن طويل، كما أن حسن بن باديس صاحب السينية، قد تحدّث عن الشيخ عبد القادر الجيلاني و طريقته في القرن الثامن الهجري. ومن جهة أخرى تحدّث محمّد الزواوي الفراوسني صاحب (المرائي الصوفية) عن الطريقة القادرية في القرن التاسع الهجري.
وقد شاع التصوف في الجزائر بفضل مدرسة سيدي عبد الرحمن الثعالبي ومحمّد بن يوسف السنوسي و أحمد زروق وغيرهم. ولم يكن الانتماء إلى طريقة من الطرق الصوفية يُعد نقصًا أو عيبًا، بل إن أخذ الطريقة كان شيئًا يعلن عنه ويشاع بين الناس ويمارسه العلماء والتجار والساسة والجنود فضلًا عن العامة. (11).
و من بين الفقهاء الجزائريين الذين مالوا إلى التشدد في الحديث عن السماع او الموسيقى،احمد الونشريسي في كتابه (المعيار) حيث روى من جهة أن احد العلماء سئل في حكم الغناء فأجاب بأن سماع الإنشاد الذي يحرّك المشاعر السامية لا بأس به،بل هو مندوب عند فتور النفس (12)
غير أن الونشريسي يتشدّد على غرار غالبية الفقهاء عندما يتعلّق الأمر بتوظيف الآلات في السماع،حيث يقول " إن معظم العلماء يكرهون الغناء بغير آلة طرب،أمّا بآلة ذات أوتار كالعود والمزمار فممنوع... (13) وخلال المرحلة التاريخية نفسها كان الصوفية يجيزون بل يحبّذون السماع ـ الموسيقى والغناء ـ حيث اعتبروه من العلوم التي تجمع بين المعاملة والمكاشفة ونقلوا جوازه عن بعض العلماء والعارفين امثال أبي مدين شعيب بن الحسن الأندلسي،دفين تلمسان،و أبي القاسم الجموعي و أب الحسن الشاذلي والشطيبي وغيرهم، فقد أخبر محمّد بن سليمان عن جواز سماع الموسيقى للصوفي الحقيقي، و أخبر أن شيخه موسى بن علي اللّالتي كان حسن الإنشاد و أنّه إذا أسمع و أنشد يكاد قلب السامع من تأثيره ينفطر وينهدّ، و أن شيخه كان يقول " ورثنا هذا المقام عن داود عليه السلام" (14) .
و بعد حوالي قرن، فصل الورتلاني في هذه القضية ، فهو كرجل من اهل التصوف أباح استعمال الموسيقى والإنشاد لأهل التصوف، ومنعه عن غيرهم لأنه يؤدّي في نظره إلى الاختلاط والفساد..فالغناء في نظره دواء لأهل العشق الصوفي، ولكنه وسيلة من وسائل الشيطان لغيرهم..وهو يعني بأهل العشق الصوفي أصحاب الحضرة الصوفية" (15).
و هناك من الفقهاء غير الصوفية من كان يتذوّق الموسيقى في ذاتها ويحلو له الإنشاد وسماع آلات الطرب..فقد روي عن عبد الواحد الونشرسي (وهو لسخرية القدر ابن أحمد الونشريسي الفقيه المتشدّد في موضوع الغناء والموسيقى) أنّه كانت له أزجال و موشّحات و كان رقيق الطبع يهتز عند سماع الألحان وآلات الطرب،لاعتدال مزاجه وقوام طبعه...(16)
و اخبر ابن حمادوش في رحلته أنه يعلم علوما شتّى من بينها علم الموسيقى الذي قال إنه تعلّمه بطريق الإجازة.وفي (الرحلة القمرية) لابن زرفة أنّه قد ورد على الباي محمّد الكبير عالمان حنفيان من مليانة، أحدهما مفتي البلدة والثاني فقيه، و أن كليهما كانا من الموسيقيّين المهرة.و قد عرفنا من حياة المفتي أحمد بن عمّار أن بعض علماء مدينة الجزائر،وهو منهم، كانوا يصوغون الموشّحات المولدية ونحوها وينشدونها في المولد النبوي بالألحان المطربة.وتذكر المصادر ان الفقيه محمّد القوجيلي قد استأذنه أحد علماء تونس في سماع الموسيقى فأجابه بقوله : كلّ ذي كرم من شأنه الطرب. (17) ويذكر الورتلاني أن الشيخ علي المهاجري كان عازفا مشهورا على المزمار بلغ الغاية في صنعته حتى أصبح الناس يشترطونه في الأعراس (18).

يتبع





--------------
__________________
ما ندمت على سكوتي مرة، لكنني ندمت على الكلام مرارا. عمر بن الخطاب

FACEBOOK - ATHMANE
رد مع اقتباس